2024-03-29 01:32 م

لماذا نتجاهل أخبار مصر الإيجابية؟

2017-09-24
بقلم: محمد سلماوي
لست أعرف لماذا لا تنشر الصحف عندنا التقارير الإيجابية التى تصدر عن مصر فى الخارج؟ لقد تكرر نشرنا تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية التى تهاجم حال الحقوق والحريات فى مصر، ولم تخل صحيفة عندنا من الإشارة الى هذا التقرير، لكنى لم أقرأ فى أى من صحفنا ما ينشر عنا من تقارير إيجابية فى الصحافة الدولية.

لقد قرأت فى الآونة الأخيرة أكثر من تقرير عن فرص الاستثمار فى مصر كان آخرها تقرير لبنك راند التجارى Bank Rand Merchant يشير الى أن مصر أصبحت الآن أفضل دولة للاستثمار الأجنبى فى إفريقيا، وقد كانت جنوب إفريقيا حتى وقت قريب هى الدولة الأولى فى القارة، لكنها تراجعت أخيرا أمام مصر فباتت فى المرتبة الثانية، وتليها المغرب فى المرتبة الثالثة، ثم إثيوبيا فى المرتبة الرابعة، ففى التقرير الذى اعتاد البنك على إصداره بعنوان «أين تستثمر فى أفريقيا عام 2018» قال البنك المتابع لحركة الاستثمار فى العالم، إن مصر تقدم للمستثمر ما لا تقدمه أى دولة إفريقية أخرى من حيث انخفاض النفقات وارتفاع المكسب واتساع السوق، وقال التقرير إن النشاط الاقتصادى لمصر أصبح متفوقا الآن على مثيله فى بقية الدول الإفريقية.

وقد أرجع تقرير البنك المعروف باسم RMB، تفوق الوضع الاقتصادى المصرى على مثيلة فى الدول الإفريقية الأخرى الى برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى بدأته مصر عام 2016 بدعم من صندوق النقد الدولي، وما اتخذته من خطوات كانت ضرورية مثل تطبيق نظام القيمة المُضافة، والإلغاء التدريجى للدعم.

كما قرأت تقريرا آخر غاية فى الأهمية أصدرته وحدة أبحاث الشرق الأوسط فى بنك كريدى سويس Credit Suisse ذى السمعة الدولية يحمل عنوان «مصر: قوة الدفع الاقتصادى مستمرة فى التحسن» يخلص إلى القول إنه رغم أن مصر مازالت تواجه تحديات كبيرة فإن المؤشرات تدفع الى قدر كبير من التفاؤل فيما يتعلق بالدعم المالى وبتزايد معدلات التعافى الاقتصادي، ومن بين المؤشرات التى ذكرها التقرير زيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى خلال الأشهر الأخيرة وانعكاسات ذلك على الوضع الاقتصادى بشكل عام، وقانون الاستثمار الذى صدق عليه الرئيس السيسى فى يونيو الماضى بعد طول انتظار، والذى يمنح المستثمرين حوافز متعددة تشجيعا لمناخ الاستثمار فى مصر.

يأتى ذلك فى الوقت الذى أعلنت شركة إينى الإيطالية التى قامت باكتشاف حقل غاز «ظهر» وهو أكبر حقل غاز فى البحر الأبيض المتوسط، أن الحقل سيبدأ إنتاجه المبكر قبل نهاية العام الحالي، وقد تم حفر البئر على عمق 1450 مترا تحت سطح البحر، ويصل امتداده الى عمق 4131 مترا، وهو يغطى مساحة نحو 100 كيلومتر مربع، وسيمثل هذا الحقل طفرة فى طبيعة الاقتصاد المصرى حيث سيحول مصر الى دولة مصدرة للغاز الطبيعى بعد أن كانت تستورده.

كانت مجلة «الإيكونومست» البريطانية قد نشرت منذ فترة تقريرا لم أقرأه فى الصحف عندنا هو الآخر، حول قرار تعويم الجنيه المصرى الذى كان رسامو الكاريكاتير هم أكثر من تعرضوا له فى رسومهم الساخرة، وقد أشاد التقرير بالقرار معددا المنافع التى عادت على الاقتصاد المصرى من تطبيقه، ونشرت المجلة وقتها رسما بيانيا يوضح الزيادة الملحوظة فى الاستثمارات الأجنبية التى شجعها انخفاض العملة المحلية على الاستثمار فى مصر، خاصة بعد إلغاء حظر تحويل العملة للخارج.ت

كما كشفت وكالة «بلومبرج» الأمريكية المستقلة عن أن البنك المركزى المصرى قد نجح فى تسديد طلبات دولارية للمستوردين وللشركات الأجنبية تزيد على المليار ونصف المليار من الدولارات منذ تحرير سعر الجنيه المصرى فى نوفمبر الماضي، وأشارت إلى تأن احتياطيات البنك المركزى المصرى تضاعفت بعد الحصول على قرض صندوق النقد الدولى الأخير والبالغ قيمته 12 مليار دولار، لتصل إلى 36 مليار دولار.

أما بنك الاستثمار «جولدمان ساكس» فقد أعلن أن الاقتصاد المصرى قد نجح فى تخطى حالة التدهور التى عاناها لسنوات، وأنه بدأ يتعافى بشكل واضح، مؤكدا أن عام 2018 سيشهد بداية انطلاقة جديدة للاقتصاد المصري.

لكن ماذا يعنى كل ذلك للمواطن العادى الذى دفع ثمن الإصلاحات الاقتصادية من قوته اليومي؟ وهو أمر لا يخفى على أحد، فقد أكد تقرير بنك راند التجارى أن برنامج الإصلاح الاقتصادى أثقل على ما يقرب من نصف تعداد المواطنين والذين يعيشون حول خط الفقر أو فى بعض الأحيان تحت هذا الخط، مشيرا الى أن الحكومة قد تبنت عددا من البرامج الاجتماعية بهدف حماية محدودى الدخل، فهل وصلت ثمار هذه الإصلاحات التى تشيد بها التقارير الدولية الى المواطن العادي؟ بالطبع لا، لكن علينا أن نتوقع أن تنامى الاقتصاد المصرى اعتمادا على المؤشرات التى تذكرها تلك التقارير، سيؤدى الى انتعاش الاقتصاد بشكل عام، وهو ما سينعكس بالضرورة على مستوى معيشة الفرد من خلال خفض نسبة التضخم، وتقليل معدل البطالة، وفتح مجالات جديدة للعمل أمام الشباب، فكيف يمر كل هذا مرور الكرام، فنعيد ونزيد فى تقرير حقوق الإنسان، ونتجاهل فى نفس الوقت ما يشير الى أننا مقبلون على مستقبل مشرق بشهادة الجهات الدولية المعنية؟ إن تلك الجهات التى ذكرنا هنا بعضها، هى فى واقع الأمر مراصد دولية تتابع النشاط الاقتصادى فى العالم، وتقاريرها يتم تتبعها بكل عناية من جانب الدوائر الاستثمارية الدولية، وهى التى قد تحيى وقد تميت اقتصادات دول العالم، فكيف لا ننتبه لها ولما يرد بتقاريرها الدورية؟

ثم إن المطلوب ليس فقط إعادة نشر هذه التقارير الإيجابية عن مصر وعن التحسن المتوقع فى الوضع الاقتصادى بها، وإنما إجراء التحقيقات الصحفية الاستقصائية اللازمة حول هذه الأخبار، والتوضيح للمواطن العادى لماذا كانت؟ وكيف ستنعكس آثارها على حياته اليومية؟ هذا هو النشاط الصحفى الحق وليس مجرد نقل ما تقوله الجهات الدولية عن الاقتصاد المصري، أما تجاهل ذلك تماما والاكتفاء بنشر الهجوم الذى تشنه علينا مراصد حقوق الإنسان، فلا يجوز.


عن "الاهرام" المصرية