2024-04-16 09:07 م

تخبّط سياسي وتراجع ميداني...أمريكا تبحث عن التعديل والمعارضة تشتعل

2018-01-12
بقلم: الدكتور خيام الزعبي 
بعد أيام من المعارك الشرسة بين الجيش السوري وحلفائه من جهة ومسلحي "هيئة تحرير الشام" التي تشكل "جبهة النصرة" الإرهابية عمودها الفقري والفصائل المتحالفة معها من جهة أخرى، برزت تطوّرات سياسيّة وعسكريّة جديدة على المشهد السوري عكست ضعف المسلحين مقابل تفوّق الجيش السوري الذي لن يتراجع عن حماية وطننا الكبير "سورية". في ضوء هذا الواقع لم تحقق استراتيجية العدوان الأميركي-الغربي وتكتيكاته العسكرية أهدافه في السيطرة والهيمنة على سورية بعد أن جهز ومدّ يد العون لعصابات تهدف الى تفكيك وإضعاف سورية لإنهاكها وتدمير مقدراتها وزعزعة إستقرارها لإيصال سورية الى الدمار والخراب كما فعلوا في دول عربية شقيقة لتحقيق مصالحهم الشخصية. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل وقفت سياسة أمريكا الى هذا الحدّ وأنتهى الأمر؟. من جهته كشف مركز «بروكينغز» الأميركي عن التحولات التي طرأت على المعارضة السورية خاصة بعد تفجر الأزمة الخليجية بين دول الحصار وقطر، كاشفا بأن المشهد السوري التي بقي ثابتا لعدة سنوات، فإن الأزمة الخليجية أدخلت الملف السوري في مرحلة إقرار الحلول الإقليمية مع إبعاد أي دور للمعارضة السورية بعد فشلها في تحقيق أي اختراق سياسي . وفي ضوء هذا الواقع أن المعارضة السورية تم إفراغها من مضمونها من خلال روسيا التي عملت على تكريس دورها من خلال تسويق منصتي القاهرة وموسكو ، والتي أتت بثمارها بمساري الآستانة وجنيف، إذ رأت "رولا جبريل" الأستاذة في علوم الاتصالات في جامعة ميامي، أن من يعتقد أن المعارضة السوريّة يُمكن أن تُحقق من خلال محادثات جنيف شيئاً كانت عجزت عن تحقيقه عسكرياً على الأرض، يكون واهماً، معتبرة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيكون الوسيط في أي ترتيباتٍ سياسية ذات صلة والضامن لها في الوقت نفسه.كما بينت إلى أن " أفضل خيار أمام الولايات المتحدة، هو مجرد اعترافها بأنها تخلّت عن أهدافها الإستراتيجية في سورية لأن الرئيس ترامب لا مصلحة له في هذا البلد، ويبدو أنه غير مستعد لاحتواء بوتين أو مواجهته. لذلك، من الناحية العملية، تخلّت الولايات المتحدة عن المعارضة السورية والشعب السوري". تنظيم جبهة النصرة وفصائل الغوطة في حرستا تنهار مرة أخرى أمام قوات الجيش السوري بعد أن إنهزمت في مناطق اخرى وتم تحريرها في واحدة من أروع صور التحدي والصمود حيث أصبحت الجماعات المتطرفة عاجزة عن السيطرة على أية منطقة لفترة طويلة، لتثبت المعارك أن هذه الجماعات فقدت المبادرة وتآكلت قواها على معظم المستويات الميدانية والعملياتية والإستراتيجية، وأصبحت في وضع مفتوح أمام إحتمالات غير محددة، وقرب تحرير منطقة حرستا من جبهة النصرة يضعها في حالة من الإرباك والتمزق الإستراتيجي، وفقدانها للتعاون بين قواطع العمليات يجعلها عرضة للضربات المفاجئة على أكثر من اتجاه ، وفي الوقت نفسه سيطر الجيش السوري وحلفاؤه على مطار أبو الضهور العسكري في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، كما حرر الرشادية و جملة الشرقية و جملة الغربية و.... الحوارة ورسم الشيخ و تل صبيحة بريف حلب الجنوبي، وعلى بلدة أم ميال بريف حماة الشمالي الشرقي، وبالتوازي مع هذه الإنجازات هناك تقدم كبير للجيش في إدلب ودير الزور وحلب ودرعا لذلك فإن الجيش السوري يحقق إنتصارات قوية على أرض الواقع، والتي تعتبر بارقة أمل لإقتلاع جذور الإرهاب التى تجتاح سورية. اليوم يواصل الجيش السوري وحلفاؤه إستهداف وسحق القوى المتطرفة بشكل يومي في مختلف المناطق السورية، لذلك تجد أمريكا وإسرائيل نفسيهما أمام مازق كبير في مواصلة العدوان على سورية، فبعد اكثر من سبع سنوات من بداية إعلان حربها على سورية، لم تستطيع أمريكا وذيولها الانتصار النهائي في هذه الحرب الشرسة وحسمها، وإنما أصبحت تواجه العديد من المشاكل الكبيرة التي وقفت عائقاً أساسياً أمامها في إدارة دفة هذه الحرب لصالحها، وبرغم أن أمريكا تعاونت الى أبعد الحدود مع القوى المتطرفة في إعطائها السلاح والوقت الكافي لكي تقوم بعملية الحسم لهذه الحرب، إلا أنها لم تستطع إنهاء الحرب لصالحها، وفشلت في الإنتصار على الجيش السوري، فلم تستطيع أن تصد التقدم للجيش في مناطق الغوطة بريف دمشق ولم تستطيع هذه المجموعات أن تستعيد مواقعها التي خسرتها هناك بالرغم من عشرات المحاولات الهجومية وتدفق المزيد من الجهاديين الأجانب والأسلحة إليها. فسورية اليوم ليست سورية الأمس ووعي شعبها قد سبق تفكير الذين يحاولون إستغلال ظروفه وأوضاعه الإقتصادية والمعيشية لسلب عواطف أبنائه بشعارات براقة ظاهرها حق وباطنها باطل، هذا هو المسار الذي أجمع عليه كافة السوريين، والرهان على أية خيارات أخرى خاسر ومرفوض، لأنه سيكون خروجاً عن الثوابت الوطنية السورية, التي تطبيقها يعد طوق نجاتنا وقاعدة إنطلاقنا نحو وطن يسوده العدل وينعم كل أبنائه بالأمن والأمان في ظل دولة الحكم الرشيد والمواطنة المتساوية. مجملاً... لقد فشل الرهان الأمريكي لإسقاط الدولة السورية بعد أن غامر ترامب بكل رصيده، سواء محاولته لإستغلال التحولات الكبرى، أو ضعف الدول العربية وشرذمتها، وخلافاتها التي وصلت إلى حدود التحالف مع الدول الغربية، أو من خلال مساندته ودعمه للدواعش أينما كانوا، وبإختصار شديد لم يبقى أمام أمريكا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إلا أن تتراجع في سياساتها الداعمة للقوى المتطرفة وأدواتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع السوري والإنخراط في التسويات والترتيبات الإقليمية والدولية التي تهدف الى استقرار وأمن سورية.
khaym1979@yahoo.com