2024-04-19 09:52 م

كيف أصبح العار من قيم الديمقراطية البريطانية

2018-02-07
بقلم: بطرس الشيني
كتبت صحيفة " الغارديان " البريطانية الأسبوع الماضي بمناسبة زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان افتتاحية أحد أعدادها " الحرب على اليمن التي تعد إحدى مغامرات الأمير تحولت الى أسوأ كارثة إنسانية في العالم .." وأضافت " يا للعار فإن الأسلحة البريطانية تستخدم هناك ويقدم مساعدون بريطانيون خدماتهم لإطالة عمر الحرب وإضافة المزيد من المعاناة للمدنيين " وتحت عنوان " رأي الغارديان في زيارة ولي العهد السعودي " وهو عنوان يبعد الإحراج عن الحكومة البريطانية والملكة الفلكورية قالت الصحيفة " لا تبيعونا قيمنا "؟؟؟ وأضافت " ينبغي على تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا أن تتحدث مع محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية أثناء زيارته للندن بخصوص ملف حقوق الإنسان والانتهاكات التي تحدث مؤخراً في السعودية " ثم تتطرق الصحيفة للصفقات المحتملة وأثر المال ..الخ يمثل المقال الافتتاحي المذكور للغارديان أحد الأساليب الإعلامية المتطورة للأعلام البريطاني في خدمة السياسة ورغم أنه يتضمن تعابير " ربما " تثير حساسية حكام السعودية إلا أنه في النهاية يخدم توجهات الحكومة البريطانية في ممارسة ضغط جانبي على الأمير السعودي لتحقيق مكاسب اقتصادية متوقعة من الزيارة وبريطانيا طالما استخدمت صحافتها في مثل هذه الزيارات للضغط على رؤساء ومسؤولي دول العالم الثالث و نجحت كل مرة في إخضاعهم لشروطها والمقال من ناحية ثانية غير محرج للحكومة البريطانية بالمرة كونه يأتي ضمن طوفان من المقالات والتحليلات المؤيدة للسعودية والداعمة أو الساكتة عن حربها على اليمن وخاصة تلك التي تصيغها الوسيلة الإعلامية البريطانية العالمية الأشهر الـ / بي بي سي/ ووكالة رويتر للأنباء . ويمكن القول أن مقال الغارديان هو الأكثر تطوراً من الناحية الإعلامية بالمقارنة مع تلك المقالات في الصحافة الأمريكية التي سبقت وتلت حديث الرئيس الأمريكي " ترامب "| حول " البقرة وطريقة حلبها "وإن كانت هذه وتلك تصب في النهاية في ذات الاتجاه وهو دفع الحاكم السعودي الى تنازلات اقتصادية الى الحد الأقصى تحت ضغوط " الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية ...الخ وكما حدث في العقود الأربعة السابقة فإن الحديث حول تلك الأمور سرعان ما يختفي بعد توقيع الاتفاقات المأمولة .. تقول الغارديان " يا للعار "يقدم مساعدون بريطانيون خدماتهم لإطالة الحرب ... ما ذكرته الصحيفة يمثل منتهى الخداع الإعلامي في استخدام التعابير .. فتعبير يا للعار يشير الى أن ثمة خطأ أخلاقي ارتكبته بريطانيا للمرة الأولى وعبارة " مساعدون بريطانيون " يبعد الشبهة عن المشاركة الميدانية للقوات البريطانية في القتال إلى جانب السعودية في حربها على اليمن. هل اكتشفت الغارديان العار البريطاني في هذه الحرب فقط أم أنه صفة ملتصقة بجميع الحكومات البريطانية والبرلمانات المتعاقبة منذ أكثر من قرن لا بل منذ أصبحت بريطانيا امبراطورية و صارت هذه السمة لازمة للطبقة السياسية البريطانية و ما تمثلها من أقصى اليمن إلى أقصى الشمال منذ أصبحت بريطانيا دولة ديمقراطية و حتى الآن. خاضت بريطانيا خلال القرن الماضي و ما سبقه مئات الحروب و أحدثت مئات الفتن و الحروب الأهلية و قتلت قواتها بشكل مباشر أو غير مباشر ما يوازي أو يزيد عن عدد سكان بريطانيا و كل ذلك كان دوماً برضى الشعب البريطاني الذي تقوده طبقة سياسية أدمنت قتل الشعوب الأخرى تحت مسميات و شعارات الحرية و الديمقراطية و الإنسانية . و في كل تلك الحروب كانت الصحافة البريطانية المتنوعة الاتجاهات في خدمة السياسة البريطانية و آلة الحرب فيها . أي حرب تلك التي خاضتها بريطانيا لم تكن تحت عنوان " العار " من الناحية الإنسانية و الأخلاقية ,لا بل حتى في الحرب العالمية الثانية و رغم أن الطرف المعتدي كان نازياً مجرماً فإن تشرشل تماهى معه وشريكه الأمريكي وأنهيا الحرب التي كانت حسمت من الناحية الإستراتيجية بثلاث مجازر دموية طالت المدنيين تولت الولايات المتحدة" ناغازاكي" و" هيروشيما" و ساعدت بريطانيا في إحراق و تدمير مدينة " درسدن" و قتلت خلال أيام من المدنيين الألمان ما يوازي عدد ضحايا المحرقة النووية في المدينتين اليابانيتين و لكن هذه المرة بالنابلم و صهاريج البنزين . أليس من العار أن جميع الحكومات البريطانية في القرن الماضي أنشأت و ساعدت الديكتاتوريات العسكرية و المدنية و ديكتاتوريات الحكم الملكي المطلق رغم ان بريطانيا تتغنى إلى حد الغثيان بالديمقراطية و القيم الإنسانية ... أليس " العار أن تدعم الحكومات البريطانية المتعاقبة كل أشكال التطرف و التعصب العرقي و الديني و الطائفي و الاثني مادياً و عبر إعلامها، أليس قمة العار أن تدعم و تسلح التنظيمات الإرهابية التي تستهدف شعوب العالم الأخرى " غير الغربية " أليس ذلك معاداة للإنسانية و قيمها. في معظم الحروب التي صنعتها بريطانيا ظل الشعب البريطاني ساكتاً و من النادر قيام مظاهرات طالما ان القتل و الإبادة تطال الشعوب الأخرى و لكن بما أن الخبث بلغ أقصاه فإن " الهايد بارك " كرس منذ أمد بعيد كواحة بريطانية للتعبير عن حرية الرأي و من الناحية العملية كرس كغطاء مخملي للعار البريطاني المتجذر و الملتصق بالديمقراطية البريطانية .منذ أزاحت أمريكا شريكتها بريطانيا و حليفتها فرنسا عن زعامة الإمبراطوريات العالمية بعد حرب السويس " العدوان الثلاثي " ظلت الإمبراطورية البريطانية في ظل الحليف الأمريكي و لكن بخبرتها الأعمق و الأوسع ظلت ذلك الشيء الخبيث الذي يوسوس للأمريكي في صنع الشر عبر العالم أو أحياناً جرها بدهاء لفعل ذلك و فيما تسعى الجمهورية الفرنسية لتقمص السياسة البريطانية فإن منطقتنا و غير منطقة في العالم مؤهلة لمزيد من الحروب بفعل " العار " الذي صار قيمة عليا للحكومات الغربية.