2024-03-28 09:54 م

البيت السياسي العربي ومحنة سوء التسيير

2018-02-23
بقلم: محمد لواتي
إن إعادة ترتيب البيت السياسي في العالم العربي وفق رؤى نقدية للواقع وللذات يتطلب إعادة النظر فيما هو حاصل الآن وليس فيما حصل في الماضي، وأنه وبعد جريمة "صفقة العصر" التي خيطتها السعودية بأمر أمريكي وحاولت فرضها على أبو مازن تحت التهديد والتي كان ضحيتها الأولى القدس الشريف، أصبح من الواجب تأصيل الواقع وفق متطلباته وليس وفق نظريات فوقيه تجاوزها الزمن وأضحت من رماد التاريخ، من المهم التذكير أن وزيرة الصحة في بريطانيا تستقيل من منصبها بسبب بيضة متعفنة هلكت بسببها طفلة ، وأيضا أن وزير الإشغال العمومية في البرتغال يستقيل من منصبه بسبب انهيار جسر أودى بحياة حوالي عشرين شخصا، وأن أيضا أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية " نيكسون " يستقيل من منصبه بسبب فضيحة التجسس على الحزب المعارض له ، ولا نسمع حتى برئيس بلدية في الغالم العربي يستقيل من منصبه بسبب الحرب الإجرامية ((الإبادة الجماعية)) على اليمن أو سوريا بسبب الانتصار للشر وما أكثره داخل الأنظمة العربية فضلا عن الوباء المنتشر داخل القصور الملكية..إن الأخطاء تلد الأخطاء ، وما دام الاختيار قائما على الخطأ أي على حساب الرأي العام فان الكارثة الحاصلة لن تكون الأخيرة، وان الجثث التي تلاعبت بها الأمواج لن تكون الأخيرة أيضا لان الشتاء السياسي في القصور الملكية يتكرر كل سنة ، ولان إمطار الحروب التي تمارسها السعودية ضد الإسلام والمسلمين صارت كأنها قدر حاصل في كل لحظة ، ومن هنا فقد آن الأوان للتخلي عن سياسة الارتداد والبناء الفوقي للأفكار والقيم بسم الإسلام السني وهو منها براء . أن الشعوب العربية قد تعبت من لعبة الموت التي تمارس عليها تحت ضغط الإحداث سواء كانت بفعل البشر أو بفعل القدر الناتج أصلا عن سوء فعل البشر " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " إذن لا يمكن بناء الدائم على الكذب كما يقول" أندري مارلو "، إن البناء الدائم لا يتم وفق آليات مستعارة وخطب تتراكم فيها الأوهام ولا تستقطب الخصائص الكبرى للأمة ولا الخصائص السياسية القائمة على مبدأ التفاعل بين ما هو حاصل وما هو متوقع ، إن الماضي بموروثة الديني دخل حيز الأثر وبالتالي لا يؤخذ منه إلا السوابق الشاهدة على النهوض الفكري والحضاري وماعدا ذلك هو من مبادئ التاريخ ومن مبادئ الجغرافيا . إن اجترار الكلمات للتدليل على هشاشة الحاضر ووعي الماضي حسب منطق الوهابية لا تعني في الواقع أية إضافة للفعل البشري،أن الفعل المتعدي للمستقبل هو ذلك الفعل الذي ينشئ من الخطأ واقعا أفضل يهم المجتمع وليس العكس ، إذا تمكن السياسي من استقطاب هذا المفهوم وحرر قدرة الواقع من امتياز التيار الفئوي أو الطائفي -غير الأخلاقي وغير الإنساني - وأعطى هذا الامتياز أخلاقيات التاريخ والدين برؤية عقلية لا طائفية فيها ولا تشبث بما هو من الفعل الجامد او المستنفد ، فإنه بالتأكيد يكون قد وضع خارطة الفكرالسياسي في مساحتها الإنسانية ، إن إتاحة الفرصة للذين يؤمنون بالوظيفة السياسية على أنها خدمة عامة وليست انغلاقا على الذات وتسلطا على الأخر بلا ضمير هي وحدها القادرة على فك خيوط اللاّ استقرار والّلا انسجام بين الحاكم وصفوف المجتمع معا ، إن المعجزة لا تبرر وجودها بالظروف الصانعة لها ولكن بالتغيير الناتج عنها واليها، والتغيير عندنا اليوم كعالم إسلامي ينشد الواقعية الإسلامية الجامعة لا الطائفية، يتطلب إيجاد آليات جديدة لنظام جديد يكون الشعب صانعا له وفق مبدأ الديمقراطية المحقة لا الهشة وليس أيضا وفق هاجس الخوف منها، وإذا حدث واختار الشعب فان الخدمة العمومية ستكون احدي اهتمامات هذا الاختيار ولن يكون لدعاة الطائفية مجال للافتراء على العامة ونعتهم ب"الغاشي" أو بأنها أمة غير ناضجة لفهم حقائق الواقع وحقائق متغيراته . من المحزن إن تتحول ثقافة الأمة الإسلامية مع أناس همهم فسادها وإفسادها إلى حصاد الهشيم في حروب عبثية أمام ثقافة الأخر الذي يريدنا في مؤخرة الركب ويتوارى رصيدنا الجهادي أمام ثقافة التجهيل المتعمد من قنوات تدعي الاستقلالية والدينية وهي رهينة العبودية والوثنية لأشخاص أوجدتهم الظروف، ظروف الفتاوى السوداء وقد كانوا من قبل أشبه بعابري سبيل لأن الذين يتحكمون في دوائر صنع القرار يؤمنون بالأحادية في الفكر وبالاختزال للتاريخ في قراءة الإحداث ، إن الرأي العام يؤمن بشيء ويتمناه لكن ما يحدث في الواقع يصدمه وبشكل كارثي، وفي كل مرة تتراجع ذاكرته باتجاه النسيان، وبالتالي باتجاه اللاوعي بالإحداث، وإذا استمر الحال على هذا الاتجاه فان الفوضى ستظل قائمة، وحاصل الانكسارات السوداء سيظل يتكرر أحيانا بفعل العنف السياسي وأحيانا بفعل " الفوضى الهدامة " وأحيانا بفعل الغزو الاستعماري المرحب به من أنظمة الحكم ألسلالي وأحيانا بفعل الجفاف السياسي ، وأمام هذا الخزين المفرط في الأخذ بوصايا الأجنبي لا شيء يتغير باتجاه الحد من هذا الحاصل، طالما إن منطق النظام في بناء الدولة قائم على دواعي الخارج وليس على دواعي الداخل .. دواعي الخارج ظاهريا وباطنيا قائمة على محاولات ترسيخ الخطأ وليس على محاولات ترميمه وإعادة البناء بتعبير السيد غوباتشوف.. إن هذا التصور المقلوب يصنع الظاهرة الصحية المؤقتة ولا يصنع الظاهرة المؤبدة والدائمة، في حين تبقى قوة الداخل تتآكل بفعل التشوه المستمر لها بواسطة الارتجاج السياسي وهذا هو الحاصل منذ إلغاء الموقف الإسلامي الموحد وبروز الطائفية بواسطة النظام السعودي، فقد تحول صانعو المأساة إلى أباطرة في الفهم السقيم وتبييض الأموال وتحول المجتمع إلى إطلال من حيث البدا والاعتقاد، وتقلصت مساحة الرأي والرأي الأخر بهذا التحول نحو الاستبداد المطلق، تبعتها وسائط الاتصال العمومية لتصير وسائل للتضليل في أغلب الأحيان والتدمير للقيم الروحية والأدبية، وحتى المثقفين نالهم منها الكثير من التهريج وسوء التقدير، فهل يكون الطوفان البشري الذي نراه اليوم في شوارع العالم من اجل القدس والرافض للانحراف والفساد بداية لحملة طوفانية على الفساد والمفسدين أم أن التغيير في هذا البلد أو ذاك باتجاه الرأي العام يبقى حبيس الكلمات وقدر الساسة من لا يقدرون على فهم ثقافة الدولة ؟
*رئيس تحرير  يومية  المستقبل  المغاربي./ الجزائر