2024-03-29 05:53 م

محور المقاومة في جنوب سوريا

2015-02-17
إبراهيم الأمين
دمشق | في الخطوة الأولى لمعركة تحرير جنوب سوريا من المسلحين العملاء لإسرائيل وللنظام الأردني، تقدمت قوة مدرعة للجيش السوري تواكبها قوة مشاة، وإلى جانبها مقاتلون وضباط بارزون من حزب الله والحرس الثوري الإيراني. في الجهة المقابلة، ينتشر مسلحون سوريون وعرب، تديرهم غرفة عمليات مقرها الأردن، بمشاركة أميركية وفرنسية وسعودية، بينما تتولى قوات الاحتلال الإسرائيلي توفير قاعدة البيانات الاستخبارية الضرورية.
منذ وقت غير قصير، تشكلت لوحة المواجهة الشاملة على الأرض السورية. المعركة على الهوية الوطنية هناك، لم تعد تقتصر على وطنية سورية محصورة داخل الحدود، بل هي نفسها معركة الهوية الوطنية لفلسطين، ومعركة الهوية الوطنية للبنان، وهي حتماً معركة الهوية الوطنية في الأردن، حيث الاشتباك العنيف بين تيار انعزالي يتحدث عن قطرية مقيتة، ومتصل بإسرائيل والغرب سياسياً وعسكرياً ومادياً، وبين تيار المقاومة الذي يثبت يوماً بعد يوم أن الاستقلال الحقيقي يتطلب معركة كسر الاحتلال وكسر راعيه من الغرب وتحطيم عملائه من العرب والمحليين.

لكن معركة الجنوب السوري من شأنها توضيح الصورة لمن لا يريد أن يفهم بعد. وربما تتيح هذه المعركة توضيح ما هو أهم، لناحية الترابط العضوي بين أطراف محور المقاومة، في مواجهة الاندماج الكلي بين عناصر وأطراف المحور المقابل. وهو ما يجعل السوريين، مواطنين ومسؤولين ودولة، يتصرفون براحة ويتحدثون بشفافية عالية عن انخراط أطراف محور المقاومة جميعاً في المعركة. وحيث لا تبقى الشام بلاد العرب من أي جهة أتوا، بل بلاد المقاومة من أي جهة أتت. في الشام اليوم، وضوح وصراحة وحزم حيال الانتماء الى محور المقاومة، وحيث المعيار لا يتصل بمن يحمل الهوية الخاصة بالبلد، بل بمن يحمل قضية المقاومة في عقله وقلبه.

الخط المانع عن دمشق

في جبهة الجنوب، واضح لمحور المقاومة أن الجهود التي بذلت من الطرف الآخر، خلال عام وبضعة أشهر، كانت تستهدف تحقيق اختراقات نوعية في مناطق درعا والقنيطرة تسمح للمجموعات المسلحة بالتواصل الوثيق مع ريف دمشق الجنوبي، وتتيح تحقيق ضربة نوعية من خلال التقدم صوب دمشق التي لا تبعد سوى عشرات الكيلومترات عن هذه المنطقة.

وقد نجح المسلحون، لأسباب مختلفة، سياسية وأمنية ــ استخبارية وعسكرية، في تحقيق اختراقات كبيرة استمرت حتى نهاية العام الماضي، وجعلت المجموعات المسلحة تقترب من الربط الكامل بين ريفي درعا والقنيطرة من جهة، وبين جنوب العاصمة من جهة أخرى. كما تمكنت من احتلال شريط من التلال المترابطة تشكل خط الهجوم الأبرز ضد دمشق. وهو ما ألزم محور المقاومة بإعداد خطة عمل، خلال أسابيع، تم خلالها توفير العناصر المعلوماتية المناسبة لمعرفة واقع الأرض، وإعداد العدة العسكرية واللوجستية، ثم الانتقال الى وضع خطة حرب، قادها ضباط كبار من الجيش السوري وضباط من أبرز قيادات المقاومة في لبنان وفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. وتم الاعتماد على عناصر الضغط الناري قبل التقدم سريعاً نحو استعادة السيطرة على النقاط الأساسية التي تقطع ما عمل الطرف الآخر على وصله. وهو ما تحقق في الجولة الأولى من المواجهة التي حصلت الأسبوع الماضي، وبما يسمح لهذا الفريق بالقول الآن، إنه تم توفير الخط المانع عن دمشق، علماً بأن العملية ستستمر خلال الأيام القليلة المقبلة، وستتيح ــ بحسب المعطيات المتوافرة ــ تحقيق المزيد من التقدم بما يسمح بتحصين هذا الخط وتثبيت نقاط التحكم والسيطرة فيه، والتقدم صوب نقاط أكثر استراتيجية، بعضها يسمح بالإطلالة المباشرة على مناطق سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومناطق حركة الاستخبارات الناشطة أردنياً وأميركياً وفرنسياً وبريطانياً وسعودياً.
وبحسب النتائج، فإن الانعكاسات الكبيرة لا تقتصر على مناطق الجنوب فقط، بل على معنويات وقدرات المجموعات المسلحة الموجودة في ريف دمشق الجنوبي، وفي بعض مناطق الغوطة، وهي المناطق التي تشهد منذ فترة طويلة مواجهات قاسية بين الجيش والمسلحين، وحيث تبرز معطيات من شأنها زيادة نسبة النجاح في تحرير هذه المناطق من المسلحين، علماً بأن كل المجموعات تعمل الآن على إعادة تنظيم نفسها، استعداداً لمواجهة موجة العمليات الجديدة من قبل الجيش وحلفائه، ولمحاولة القيام بعمل من شأنه «رد الاعتبار»، وهو الأمر الموضوع تحت رقابة الجهات المعنية.
ارتباك «ملك داعش»

في المقابل، تسود حال استنفار غير عادي غرفة العمليات الموجودة في الأردن، وصفوف العدو في منطقة الجولان. في عمان، يحاول النظام تكرار معزوفة أنه ليس متورطاً بما يحصل. ويبعث بالمزيد من الرسائل التي يحاول فيها رفع المسؤولية عنه إزاء ما يحصل في جنوب سوريا. وبحسب مسؤولين بارزين في دمشق، فإن القيادة السورية التي تتصرف بحكمة، وأخذت في الاعتبار أن حكومة الأردن عرضة لضغوط كبيرة من الغرب وبعض العرب، لم تعد قادرة على الصمت، وهي لا تقبل بالردود الساذجة من جانب حكومة الملك، وخصوصاً تلك المتعلقة بما يجري على الأرض. وتبين أن دمشق أرسلت أكثر من مرة الى الطرف الأردني معلومات مفصلة وموثقة حول ما يجري على الأراضي الأردنية من عمليات تدريب وتجهيز ونقل للمسلحين والعتاد لهم، وكان الرد الأردني بالنفي، وحتى عندما يصار الى تسمية معسكرات للتدريب، يجيب ديوان الملك بأنها معسكرات يتدرب فيها الجيش الأردني!
بالطبع، لم يعد ممكناً لسوريا ولا لأطراف محور المقاومة الصمت على سلوك حكومة الملك، وخصوصاً أن ما جرى خلال الأسابيع الماضية، وما ترافق مع العملية العسكرية، دل على تورط يتجاوز دور «الممر» الى دور الشريك الكامل في العدوان على سوريا. وحيث برزت «طموحات غبية» لدى الملك وأنصاره في المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية، تتمثل في «حلم السيطرة على حوران» من خلال دور الوصاية الكامل على المجموعات المسلحة هناك، مع ما يتطلب ذلك من دخول مباشر الى تلك المنطقة.
ومع أن الأصوات المعارضة لسياسة الملك لا تلامس حد المواجهة الداخلية في الأردن، إلا أن مجريات الأحداث ستتحول مع الوقت الى عناصر ضغط مباشرة على الحكومة وعلى الناس أيضاً لأن قرار محور المقاومة ليس تكتيكياً، ولا يقوم على فرضية حياد الآخرين. بل على العكس، فإن محور المقاومة الذي لا يسعى الآن، الى مواجهة مع طرف خارج مناطق المواجهات، يتصرف على أساس أن المجموعات المسلحة ستكون محل رعاية إضافية في هذه المرحلة وفي المرحلة المقبلة. وهي رعاية مشتركة من جانب غرفة العمليات الموجودة في الأردن وبدعم من نظام الملك، ومن جانب العدو الإسرائيلي، وبالتالي فإن محور المقاومة لن يتراجع عن خططه في تلك المنطقة، وسيأخذ في الاعتبار كيفية التعامل مع الأطراف التي تحاول الضغط على دمشق من خلال هذه المجموعات.

قلق العدو: كيف نتصرف؟

من جانب العدو، ثمة مستوى إضافي من القلق، وهو أمر يخص الأمن الاستراتيجي لكيانه، ولا سيما أن قوات الاحتلال تلمس تبلور سياق استراتيجي مقابل على بعد عدة كيلومترات من مناطق انتشارها، وهو سياق لم يبدأ مع هذه العملية العسكرية، بل بدأ قبل مدة، وجاءت جريمة العدو في القنيطرة ضد مجموعة من مقاومي حزب الله وضابط إيراني لتضعها محل اختبار جدي. وجاءت عملية المقاومة في مزارع شبعا، ثم إعلان المقاومة بلسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله نسف أي قواعد قائمة للاشتباك، ثم العملية العسكرية القائمة في الجنوب الآن. جاء كل ذلك ليقول للعدو إن محور المقاومة لم يقف مكتوف الأيدي أمام محاولة خلق وقائع ميدانية وسياسية وأهلية جديدة في تلك المنطقة، وإن المقاومة لن تقبل بأي أمر واقع ولو من خلال المجموعات المسلحة، وإن هذا المحور الذي نقل قواته الى تلك المنطقة يتصرف على أساس أن هناك احتمالاً قوياً لتورط العدو في حماقة إضافية، ما سيفرض على الجميع تحديات خاصة. وهي تحديات من شأنها فتح الجبهة من جديد بين إسرائيل ومن يقابلها في الشمال. لكن الجديد الذي باتت إسرائيل تعرفه وتخشاه، أن الشمال لم يعد كتلاً جغرافية وعسكرية وأمنية منفصلة بعضها عن بعض، بل عبارة عن جبهة واحدة متكاملة التنسيق العسكري والسياسي والأمني.
وفي هذا السياق، يمكن فهم ما قامت به قوات محور المقاومة في تلك المنطقة، بأنه إشارة عملانية الى فهم المقاومة لإطار المعركة القائمة والمتوقع احتدامها مع العدو هناك. وهو إطار لا يشبه البتة الإطار الذي قام على الحدود مع لبنان بين عامي 2000 و2006، ولا الإطار الذي قام منذ عام 2006 حتى 28 كانون الثاني الماضي. بل هو إطار فيه استعداد عملاني لمواجهة أي حركة إسرائيلية، مباشرة أو من خلال عملائها في المجموعات المسلحة. وهي مواجهة لن تكبلها القيود التقليدية التي عرفتها إسرائيل على طول حدودها الشمالية خلال العقود الأربعة الماضية.
والتحدي الجديد والأبرز أمام قوات الاحتلال، يتمثل في كيفية التصرف مع التطورات الميدانية في تلك المنطقة، وعلاقة ذلك بقواعد الاشتباك التي قامت بعد حرب 1973.
سابقاً، وخلال العامين الماضيين، كانت إسرائيل تدافع بقوة عن منطقة العزل، ومع خروج قوات حفظ السلام (الأندوف) بادر العدو الى تطبيق قواعده الردعية تجاه حركة الجيش السوري. وفي كل مرة، كانت طائرات الجيش السوري تلامس منطقة ذات مدى الـ 4 كلم، أو يجري نقل قطعة مدفعية من خارج اللائحة المسموح بها وفق قواعد الهدنة، كان العدو يبادر الى عمل عسكري مباشر، وقد أسقط طائرة حربية للجيش السوري، كما أسقط طائرتي استطلاع للجيش السوري وللمقاومة فوق تلك المنطقة، وقامت قواته بقصف مرابض مدفعية في تلك المنطقة.
السؤال الآن: كيف ستتصرف إسرائيل في حال تطلبت المواجهة الميدانية من الجيش السوري وحلفائه التقدم عسكرياً، من خلال قوة مشاة مدعمة بعتاد ثقيل الى المنطقة القريبة من حدود الجولان المحتل، حيث ينتشر المسلحون؟ هل يبادر العدو الى التعرض لهذه القوات بالقصف أو غارات الطيران؟ هل يفكر في احتمال حصول رد فوري عليه من جانب قوى محور المقاومة، وهل هو مستعد لاحتمال اندلاع مواجهة قد تبدو محصورة، لكن لا أحد لا يعرف الى أين تتجه بالوضع هناك؟
عن صحيفة "الأخبار" اللبنانية