2024-05-14 08:54 م

الاحتلال يطالب بصفقة ويسرب بنودها والمقاومة تفرض شروطها.. ماذا يعني ذلك؟

كشفت القناة الـ13 الإسرائيلية، نقلًا عن مصادر حكومية، الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول 2023، تسريبات بشأن صفقة تبادل أسرى جديدة بين حكومة الاحتلال وحركة المقاومة الإسلامية حماس، وسط حراك متواصل من عائلات الأسرى الإسرائيليين أمام وزارة دفاع الاحتلال ومنزل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

وتأتي تلك الصفقة المقترحة من جانب تل أبيب عقب مقتل 3 أسرى إسرائيليين بجنود الاحتلال عن طريق الخطأ في الشجاعية، الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، وهي الحادثة التي أثارت حفيظة عائلات المحتجزين، وزادت من وتيرة القلق على بقية الأسرى لدى المقاومة، ومن ثم جاء التحرك سريعًا لعرض تلك المبادرة التي تتضمن العديد من البنود المغايرة للهدنة السابقة، سواء فيما يتعلق بالفترة الزمنية المقترحة أم طبيعة الأسرى المفترض إطلاق سراحهم، هذا بخلاف ما يدور عن تغيرات في الترتيبات العسكرية الإسرائيلية داخل القطاع.

وخلال الأيام الماضية حاولت دولة الاحتلال طرق أبواب الوسطاء لمناقشة صفقة أسرى وهدنة مؤقتة في ظل الضغوط التي تتعرض لها حكومة الكابينت من الداخل والخارج على حد سواء، هذا بخلاف ما فرضته المقاومة ميدانيًا من ضغوط أخرى، خاصة بعد تأكد نتنياهو وجنرالاته أن تحرير الأسرى بالقوة مسألة مستحيلة.

تفاصيل الصفقة
وفق ما نقلته القناة العبرية فإن الصفقة المقترحة تتضمن إطلاق سراح 30 إلى 40 أسيرًا إسرائيليًا لدى المقاومة في غزة، نظير إطلاق سراح أسرى فلسطينيين بارزين، كما تشمل هدنة طويلة نسبيًا، تمتد من أسبوعين إلى شهر، هذا بخلاف الحديث عن انسحاب جزئي من بعض المناطق في غزة وقد تشمل تغييرًا وترتيبات عسكرية داخل القطاع.

وتهيء تل أبيب مواطنيها من أجل احتمالية أن تتضمن الصفقة المقترحة اتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة بالنسبة للكيان، فيما يتعلق بالإفراج عن أسرى فلسطينيين مصنفين بالخطرين، بحسب ما نقلته وسائل إعلام عبرية، حيث نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر إسرائيلي مطلع على المفاوضات مع حماس قوله: “يجب أن يكون الجمهور الإسرائيلي مستعدًا لاتخاذ قرارات صعبة وتقديم تنازلات فيما يتعلق بإطلاق سراح الأسرى الخطيرين”.

وأشارت الهيئة إلى أن إسرائيل “تناقش مع الوسطاء إطلاق سراح عشرات المختطفين الإسرائيليين، مع إعطاء الأولوية للنساء اللواتي لم يتم إطلاق سراحهنّ بموجب الصفقة السابقة، والمختطفين المسنين الذين أصيبوا في أثناء الأسر والمصابين بأمراض مزمنة”.

ونقلت القناة الـ13 الإسرائيلية عن منخرطين في المفاوضات داخل الحكومة الإسرائيلية قولهم إن تل أبيب ليس لديها أي مشكلة “إن ربطت حماس التغيير العسكري بالصفقة واعتبرته إنجازًا”، في إشارة إلى الانسحاب المزمع من بعض المناطق المحتلة في القطاع، وإعادة التموضع في مناطق أخرى.

حراك دبلوماسي
وسبق تلك التسريبات حراك دبلوماسي لتل أبيب وحليفها الأمريكي مع الوسطاء الإقليميين في هذا الملف، قطر ومصر، من أجل التوسط إلى اتفاق وهدنة مؤقتة لتبادل دفعة جديدة من الأسرى في ظل الضغوط القوية التي تمارسها عائلات الأسرى داخل “إسرائيل” والولايات المتحدة.

هذا بخلاف الانتقادات اللاذعة التي يتعرض لها الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته خلال حملته الانتخابية، الأمر الذي قد يكلفه كثيرًا إن لم يتدارك الوضع عبر هدنة سريعة وتحرير للأسرى وتحسين صورة بلاده الملطخة بدماء آلاف الأطفال والنساء الفلسطينيين جراء الدعم اللامحدود لدولة الاحتلال في حرب الإبادة التي تشنها ضد أهل غزة منذ 8 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي وحتى اليوم.

وفي سياق التحرك لإنجاز تلك المهمة شهدت العاصمة البولندية وارسو، الإثنين الماضي، 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 لقاءات جمعت مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وليام بيرنز، ونظيره الإسرائيلي ديفيد برنيع، مدير جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) بحضور رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، هذا بجانب الاتصالات الدبلوماسية المكثقة مع الاستخبارات المصرية القطرية لتحريك المياه الراكدة في هذا الملف.

وكان رئيس الاحتلال إسحاق هرتسوغ قد أكد إيفاد رئيس الموساد إلى أوروبا مرتين خلال الأيام القليلة الماضية من أجل إعادة تفعيل الهدنة الإنسانية لتبادل الأسرى، التي انتهت مطلع الشهر الحاليّ، واستمرت قرابة أسبوع واحد، معلنًا أن بلاده مستعدة للانخراط في هذا الأمر في أسرع وقت.

موافقة حماس مشروطة
تعليقًا على البنود المسربة بشأن تلك الصفقة التي اقترحتها تل أبيب، قالت هيئة البث الإسرائيلية، إن حركة المقاومة حماس رفضت مناقشة بنود الصفقة قبل وقف كامل للعمليات العسكرية وإطلاق النار في القطاع.

هذا الأمر أكدته صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية حين أشارت إلى أن وزير الخارجية القطري أبلغ رئيس الموساد بأن شرط حماس الأول للدخول في مفاوضات جديدة وإبرام صفقة لتبادل الأسرى هو وقف إطلاق النار بشكل كامل، فيما رد عليه برنيع بأن الحرب لن تنتهي إلا حين تضع حماس سلاحها وتسلم المتورطين في عملية طوفان الأقصى.

وكان قادة حماس وعلى رأسهم إسماعيل هنية وأسامة حمدان أشاروا إلى عدم الدخول في أي مفاوضات مع الاحتلال تحت النار، ولا بد من وقف كامل لكل العمليات العسكرية داخل القطاع والسماح بدخول المساعدات لسكان القطاع قبل الجلوس على مائدة التفاوض، وهي الرسالة التي أبلغتها المقاومة للمسؤولين في الدوحة والقاهرة.

وجاء رد المقاومة على الصفقة المقترحة استكمالًا لموقفها الأخير المندد بخرق جيش الاحتلال للهدنة السابقة، والانتهاكات التي مارسها بحق الفلسطينيين في خان يونس والشجاعية وجباليا والضفة والقدس وغيرها، وهي الخروقات التي تنسف الهدنة من أساسها، غير أن المقاومة ارتأت التريث وعدم التصعيد من أجل السماح لسكان القطاع بالحصول على الحد الأدنى من المساعدات الإنسانية في ظل الوضع الكارثي الذي يعانون منه منذ بداية الحرب.

ما الفرق بين الصفقة المقترحة والهدنة السابقة؟
تتميز تلك الصفقة المقترحة بحزمة من المتغيرات عن الهدنة السابقة تعكس بشكل كبير الكثير من ملامح المشهد الميداني والمأزق الذي يعاني منه الاحتلال، أولها: أنها إسرائيلية من الدرجة الأولى، أي أن الكيان المحتل هو من قدمها وسربها عبر وسائل الإعلام لجس نبض المقاومة ورد فعلها بصفة عامة وما ورد بها من بنود على وجه الخصوص.

ثانيها: أن الاحتلال استبق الكشف عن بنود تلك الصفقة بحراك دبلوماسي طرق من خلاله أبواب الوسطاء من أجل إقناع المقاومة بها، مع تقديم بعض المغريات – من وجهة نظره – لدفع حماس إلى الموافقة عليها في أقرب وقت، في ظل تصاعد الضغوط على حكومة الحرب المعلنة.

ثالثها: أنها هذه المرة طويلة نسبيًا، فالحديث هنا عن أسبوعين أو شهر مقارنة بثلاثة أيام تم تمديدها لسبعة في الهدنة السابقة، هذا بخلاف نوعية الأسرى المقترح الإفراج عنهم، فلأول مرة تتحدث تل أبيب عن أسرى وصفتهم بـ”الخطرين” أي الصادر بحقهم أحكام جنائية، وهي المسألة التي رفضتها “إسرائيل” في السابق بشكل كبير.

رابعها: لأول مرة يتهاوى الخطاب الشعبوي العنتري الإسرائيلي ليتحدث عن تقديم تنازلات عسكرية، على شاكلة الانسحاب من بعض المناطق أو إجراء تغييرات في التشكيلات العسكرية والتموضوعات داخل القطاع، حتى لو فسرت حماس ذلك على أنه انتصار لها، فليس لدى تل أبيب مشكلة في ذلك حسبما نقل الإعلام العبري عن مسؤولين حكوميين إسرائيليين.

المقاومة تضع الاحتلال في مأزق
كسرت المقاومة غرور وكبرياء وعنجهية الاحتلال بصورة لم يتوقعها جنرالاته أصحاب التصريحات الهوجاء على رأسهم وزير الدفاع يواف غالانت الذي دومًا ما يصرح بأنه لا أحد يستطيع إجبار الاحتلال على وقف عملياته القتالية، وأن الأسرى سيحررون بالقوة، وحماس سترضخ بتكثيف العمليات، وهي التصريحات التي أجهضتها المقاومة وحولتها إلى أضحوكة على منصات السوشيال ميديا، حسبما جاء على لسان جنرالات الاحتلال أنفسهم.

لكن بعد 75 يومًا من القتال الشرس والإجرامي، من خلال دعم كبريات جيوش العالم، ها هي المقاومة تعري جيش الاحتلال وتفضح هشاشته أمام الجميع، فبينما كان البعض يراهن على قصر نفس حماس وعدم قدرتها على التمادي في الحرب لأيام طويلة، إذ بها تكسر القاعدة، وتتعامل مع المشهد بعد شهرين ونصف بنفس القوة التي تعاملت بها معه بداية الحرب، بل وتكبد الاحتلال خسائر في صفوفه القتالية وعتاده العسكري بعد كل تلك الفترة بما لم تحققه في الأيام التي تلت 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

المثير للدهشة هنا أن أداء المقاومة العملياتي بعد انتهاء الهدنة السابقة، يفوق أداءها قبلها بكثير، وهو ما تترجمه الخسائر في صفوف الاحتلال ونوعيتها ودقة العمليات ومستوى الكفاءة التي تمت بها، الأمر الذي كان مستبعدًا وغير متوقع، سواء من الشارع الإسرائيلي الأمريكي الغربي أم حتى العربي  وهو ما قلب الطاولة وغير المعادلة بصورة أيقن معها الاحتلال أن المهمة لن تنجز في الوقت القريب وأن الأمور تحتاج إلى وقت أطول.

غير أن ذلك أثار قلق حلفاء إسرائيل الذي يخشون من اتساع رقعة المواجهات، خاصة بعد دخول حزب الله على خط الأزمة، ومعه الحوثيون الذين أشعلوا التوتر في البحر الأحمر مجددًا، باستهدافهم السفن المتجهة إلى دولة الاحتلال، هذا بخلاف احتمالية توسعة نطاق المعركة في الداخل بعد انخراط الضفة تدريجيًا في المشهد إثر سقوط أكثر من 300 شهيد منهم منذ بداية الحرب.

أداء المقاومة مؤخرًا أوصل رسالة مباشرة للاحتلال وحلفه بأنها على أتم الاستعداد لكل السيناريوهات، هذا بخلاف الحرب النفسية التي تشنها وتستعرض فيها قدراتها العسكرية وتؤكد من خلالها أنها قادرة على الاستمرار والمواجهة لفترات طويلة.

وعليه يحاول الاحتلال حاليًا، كما فعل قبيل الهدنة السابقة، الضغط على حماس والمقاومة ولي ذراعها من خلال تكثيف عملياته الوحشية بحق القطاع، لإجبارها على الجلوس على مائدة التفاوض، والتنازل عن شرطها وقف إطلاق النار بشكل كلي، وهي الإستراتيجية التي ما عادت تنطلي على المقاومة التي تتعامل مع المشهد وفق تطوراته بشكل يدفع الاحتلال في النهاية إلى الرضوخ والانصياع لشروطها وليس العكس.

وفي سياق حالة الارتباك التي تخيم على المشهد الإسرائيلي بسبب المقاومة، يعاني الشارع هناك من انقسامات حادة بسبب الحرب وجدوى استمرارها حسبما أشار الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى، الذي لفت إلى أن هذا الانقسام لم يكن موجودًا بداية المعركة، إلا أن المقاومة بأدائها غير المتوقع قلبت كل الحسابات.

ويشير مصطفى إلى أن هناك شريحة غير يمينية داخل “إسرائيل” بدأت في التفكير بالحرب بشكل مختلف، طالبة بتوقفها وإبرام صفقة تبادل أسرى بشكل كامل، في مقابل أخرى تنادي باستمرار المعركة، وهو التناقض الذي “يعكس الفوضى والتململ وعدم وضوح الرؤية وتراجع الثقة في قدرة الحكومة الحاليّة على إنجاز أهدافها”، كما يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي في حديثه لـ”الجزيرة”.

وفي الأخير فإن المشهد بصيغته الحاليّة يشير بشكل أو بآخر إلى إعلان غير مباشر من الاحتلال بهزيمته إثر فشله في تحقيق أهدافه المعلنة، وهو ما يعني ضمنيًا – حتى اليوم السادس والسبعين للحرب – انتصارًا نسبيًا للمقاومة، رغم الخسائر الفادحة في الضحايا المدنيين الفلسطينيين، ويُتوقع أن تشهد الساعات والأيام القادمة حتى نهاية الشهر الحاليّ مرحلة شد الحبل بين الطرفين وصولًا إلى اتفاق يتوقع أن يُنهي بشكل كبير الحرب بصورتها التقليدية الحالية، وإن كان ذلك سيتوقف بصورة أو بأخرى على أداء المقاومة خلال الأيام العشر القادمة.

المصدر: نون بوست