2024-05-14 10:14 م

أزمة الغذاء في غزة.. وجه آخر للحرب

تحمل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المتواصلة منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجوهًا وأشكالًا مختلفة سواء على الصعيد العسكري أم الصعيد الاجتماعي أم الاقتصادي والعملياتي، بالإضافة إلى الصعيد الغذائي والإنساني المتعلق بالفلسطينيين.

ومع تصاعد أعداد النازحين من شمالي القطاع ومدينة غزة إلى المنطقة الوسطى للقطاع أو جنوبه في خان يونس ورفح، فإن الأزمة الإنسانية في غزة تتصاعد بوتيرة مختلفة عن أي حرب أو جولة تصعيد عايشها السكان على مدار المواجهات التي شهدوها منذ عام 2006.

ومنذ بداية العدوان وحتى الآن، أُجبر نحو 1.9 مليون شخص، أي أكثر من 85% من سكان غزة، على مغادرة منازلهم، وهو أكبر نزوح منذ عام 1948 بحسب تقديرات المنظمات الإنسانية، فيما يطلق جيش الاحتلال عادة على المناطق التي يفترض أنها خالية من القصف اسم “المناطق الآمنة” ويواجه نصف مليون شخص، أي نحو ربع السكان، خطر الجوع وفقًا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الذي يراقب مستويات الجوع في العالم.

أما جغرافيًا، فإن مدينة رفح التي تشهد حركة نزوح من بقية المناطق بشكلٍ كبير تشكل 17% من مساحة غزة وتضم 280 ألف نسمة، حيث أصبحت محطة للنازحين مع وصول أكثر من مليون شخص، وارتفعت الكثافة السكانية في المدينة أربع مرات، أي ما يعادل نحو نصف سكان غزة وفقًا للأمم المتحدة.

مشاهد قاسية
في أعقاب حركة النزوح القائمة من غزة والشمال، ومع بدء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في توزيع بعض المساعدات الإنسانية، يتكدس الكثير من السكان أمام مقارها في الجنوب في كلٍ من رفح وخان يونس أو في المنطقة الوسطى بالنصيرات ودير البلح.

وتشهد مقار توزيع أكياس “الطحين” اليومية تكدسًا كبيرًا على صعيد توافد السكان لاستلامها من ساعات الصباح الباكرة حتى وقت متأخر من ساعات المساء، حيث يتوافد الصغار والكبار إلى مراكز التوزيع للحصول على كميات محدودة من الطحين لصناعة الخبز.

وتعتمد عملية التوزيع على متوسط عددي خاص بالأسر، فعلى سبيل المثال الأسر من 9-11 فردًا حصلت على 4 أكياس، أما من 7 إلى 9 حصلت على 3، مرورًا بأسر حصلت على كيس طحين واحد، وفقًا لعملية التوزيع التي تتم بشكلٍ مجاني والمستمرة منذ أسابيع طويلة.

وبسبب ضعف عملية التوزيع وانعكاسات أزمة الاتصالات على الأنظمة الخاصة بأونروا، فإن العملية طالت كثيرًا وهو ما تسبب في نفاذ ما تم توزيعه على الكثير من الأسر وجعلها عاجزة عن توفير بدائل في ظل شح البضائع من الأسواق المحلية في غزة.

أما في مدينة غزة وشمالها، فلم تتم أي عملية توزيع للمساعدات باستثناء ما جرى خلال فترة الهدنة الإنسانية وهي كميات قليلة وشحيحة للغاية، ما فاقم الأزمة الإنسانية التي يعيشها السكان في تلك المناطق، ورفع من تفاقم الأوضاع المعيشية في صفوفهم.

وهو ما يؤكده الفلسطيني أحمد خليل الذي تحدث لـ”نون بوست” عن صعوبة المشهد والأوضاع الإنسانية في شمال القطاع جراء عدم توافر أي من السلع الغذائية في تلك المناطق وارتفاع تكلفتها لمبالغ يتجاوز بعضها 10 أضعاف، لندرتها وعدم سماح الاحتلال بإدخالها.

ووفقًا لخليل فإن عائلته أمضت خلال الأسابيع الأخيرة أيامًا يتجاوز بعضها 4 أيام دون طعام باستثناء بعض المياه، فيما كان السكان يتقاسمون الطعام في الكثير من المرات للبقاء على قيد الحياة في ظل تردي الأوضاع الصحية وخروج الكثير من المشافي عن العمل.

خطر المجاعة قائم
يبدو خطر المجاعة قائمًا في غزة لا سيما مع تحذير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) من ارتفاع خطر المجاعة في قطاع غزة، والذي يتزايد كل يوم حال استمر الوضع على ما هو عليه، فالتقرير أشار إلى أن أسرة واحدة على الأقل من كل 4 أسر في قطاع غزة، أي أكثر من نصف مليون شخص، تواجه مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو أعلى مستوى من الإنذار.

وبحسب التقرير فإن نحو 1.2 مليون شخص يعانون من مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأقر بأن عتبات المجاعة لانعدام الأمن الغذائي الحاد قد تم تجاوزها بالفعل، وباختصار، فإن هذا يعني أن خطر الموت جوعًا أصبح حقيقيًا بالفعل بالنسبة للعديد من الأسر في غزة.

ووفقًا لمنظمة اليونيسيف فإن هذه النتائج تشير إلى أن جميع الأطفال دون سن الخامسة في قطاع غزة – 335 ألف طفل – معرضون بشدة لخطر سوء التغذية الحاد والوفاة مع استمرار تزايد خطر المجاعة، في حين تقدر اليونيسف أنه في الأسابيع المقبلة، سيعاني ما لا يقل عن 10 آلاف طفل دون سن الخامسة من أكثر أشكال سوء التغذية التي تهدد حياتهم، والمعروفة باسم الهزال الشديد، وسيحتاجون إلى أغذية علاجية.

بدوره، يؤكد رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده أن 71% من سكان قطاع غزة يعانون من مستويات حادة من الجوع، في حين أن 98% من سكان قطاع غزة يعانون من عدم كفاية استهلاك الغذاء، و64% يتناولون الحشائش والثمار والطعام غير الناضج والمواد منتهية الصلاحية لسد الجوع.

ويقول عبده لـ”نون بوست” إن هذه التقديرات جاءت وفقًا لمسح بيانات قام به المرصد على 1200 شخص في القطاع، حيث أظهرت البيانات أن معدل الحصول على المياه، بما في ذلك مياه الشرب ومياه الاستحمام والتنظيف، يبلغ 1.5 لتر للشخص الواحد يوميًا في قطاع غزة.

صمت عربي.. تكدس للشاحنات 
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة فتحت مصر أجواءها لاستقبال المساعدات التي أرسلتها الكثير من الدول لغزة، حيث تكدست الكثير من الشاحنات في منطقة العريش ومدينة رفح المصرية للشهر الثالث على التوالي.

وفقًا لبعض التقديرات فإن قرابة 15 ألف إلى 17 ألف شاحنة تتكدس عند الجانب المصري في انتظار دورها للدخول إلى غزة، فيما لا يسمح إلا بدخول كميات بسيطة يوميًا تتراوح ما بين 70 إلى 100 شاحنة محملة بجميع الأصناف وهو ما لا يكفي لتلبية احتياجات القطاع.

وكان القطاع يستقبل يوميًا ما لا يقل عن 500 شاحنة تجارية يشتريها تجار غزة من الجانب المصري، وكانت تكفي لسد احتياجات السكان، إلا أن ما يدخل اليوم لا يشكل خمس ما يحتاجه القطاع وفقًا لتقديرات المؤسسات الحكومية في ظل الحرب.

وتطرح حالة الجوع الحالية أسباب الصمت العربي وعدم الضغط الكافي لإدخال هذه الشاحنات وأسباب استمرار تكدسها بشكلٍ كبير يؤثر على الحالة الإنسانية لنحو 2.3 مليون نسمة يعيشون حاليًّا في مناطق مضغوطة من الناحية الجغرافية والديموغرافية.

المصدر: نون بوست