2024-04-26 08:01 م

مفتاح حل أزمة داعش بيد دمشق!!

2014-08-24
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي*
في السابق نجح ابن لادن في جر الأمريكان وحلفاؤهم في المنطقة الى مصيدتي العراق وأفغانستان، واليوم على وشك أن يعيدهم البغدادي إلى مصيدة أكبر وأشرس هي سورية والعراق، وخاصة بعد الهلع الذي أصابهم إثر ذبح الصحافي الأمريكي ستيف فولي، لذلك تجد الإدارة الأميركية نفسها ومعها حلفاؤها الغربيون، وقد إنحشروا جميعاً في مربع خيارات في مواجهة "داعش" الذي بات يتمدد في كل اتجاه، ويسيطر على مناطق واسعة في سورية والعراق، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا ، هل يمكن أن تتحالف واشنطن مع الأسد بوجه داعش؟ ومن هذا المنطلق لو فرضنا أن التحالف إستطاع ضرب داعش في العراق بدون سورية، فأين ستذهب داعش بـفائض قوتها المتراكمة على الأرض السورية، وهل سيبقى خطرها محصوراً بالجغرافيا السورية، أم أنها ستكون عرضة للتمدد والإنتشار غرباً وجنوباً، ما الذي سيفعله أوباما إزاء سيناريو كهذا؟ من المعلوم إن أي إستراتيجية أمريكية في الشرق الأوسط تنبع بالدرجة الأولى من مصالح أمريكا في هذه المنطقة شديدة التعقيد في العالم والمليئة بالمشاكل والأزمات، في هذا السياق يحتدم الجدل في واشنطن بشأن فعالية توجيه الضربات الجوية على التنظيم الإسلامي، فقد دعا الجمهوريون إلى توسيع نطاق التدخل العسكري الأمريكي في العراق ليشمل سوريا أيضاً، في المقابل فإن أوساط الديمقراطيين تميل الى الحذر بشأن خوض أي تدخل جديد قد يؤدي الى تكرار تجربة الحربين المؤلمتين لأمريكا في العراق وأفغانستان. فمن الواضح إن محاربة داعش في سورية والعراق تستلزم تحالفات إقليمية في المنطقة، لذلك سعت أمريكا إلى إقامة شراكات في الشرق الأوسط ضد داعش، فالإقتراحات بزيادة التدخل العسكري الأمريكي في سورية والعراق تبدو غير مُقنعة بحسب فئة واسعة من الأوساط الأمريكية لما يحمله من مخاطر عدة، كما أن الضربات الجوية المحتملة قد لا تقضي بشكل كامل على معاقل المتشددين وربما تجعل واشنطن تغرق مجددا في مستنقع جديد من الأزمات السياسية في المنطقة، لذلك فإن المسئولون الأمريكيون مرتبكون، ولكن الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية إعترف بأنه لا يمكن هزيمة هذا التنظيم بضرب تجمعاته في الجانب العراقي فقط في تلميح واضح الى إحتمال توجيه الطائرات الأمريكية لقصف الرقة ودير الزور ومناطق سيطر عليها في شمال سورية، ولم يستبعد التدخل الأرضي أيضاً، خاصة إن القضاء على هذا التنظيم الذي يملك إستراتيجية وفكراً واضحاً، سيحتاج الى وقت طويل، لإنه مستقل تماماً في تسليحه وتمويله، ويملك جيشاً عقائدياً مدرباً تدريباً جيداً . ومع إن التصريحات الأمريكية تجنبت ذكر نظام دمشق صراحة خلال الإشارة إلى ضرورة أن تشمل العمليات العسكرية ضد داعش سورية، فإن هذه الإشارة على ضعفها تمهد الطريق أمام إتصالات محتملة مع الحكومة السورية التي لا تزال تمثل القوة العسكرية الرئيسة في الصراع السوري خاصة في ظل ضعف وتشرذم قوى المعارضة، وبالمقابل أن الحرب الأمريكية على داعش في العراق تتم بتفاهم مع إيران، وأن توسيع نطاق هذه الحرب إلى سوريا يتطلب أيضاً تفاهماً إيرانياً أمريكياً مماثلاً في سورية، ومثل هذا التفاهم لا بد وأن يأخذ بعين الإعتبار وضع النظام السوري، ورؤيته حول أولوية محاربة الإرهاب التي حاولت دمشق إقناع الغرب بها خلال مفاوضات جنيف الثانية، وما يزيد من إحتمالات ذلك التعاون الغربي مع نظام دمشق، هو التجربة الغربية السابقة في دعم المعارضة التي أدت إلى ظهور تيارات متشددة، وبالتالي فان الغرب بات مقتنعاً بضرورة التنسيق مع النظام السوري الذي لا يزال يحتفظ بحضوره الرسمي، وتربطه تحالفات دولية قوية سواء مع إيران أو روسيا أو الصين. وفي سياق متصل كثف الطيران السوري غاراته على مواقع للتنظيم في محافظتي الرقة ودير الزور، لبرهن بأنه يحارب الإرهاب، وبأنه يشارك الغرب هواجسه في التخلص من هذا التنظيم، وفي وقت سابق أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع يدرج فيه "النصرة" و "داعش" على القائمة السوداء، ورحبت دمشق بالقرار وأكدت بإنها لن تتردد في التعاون مع أي دولة في محاربة الإرهاب، ومن هذا المنطلق يبدو أن هذا التقارب قد بدأ فعليا، ففي حين تصعد قوات الأسد قتالها ضد مسلحي داعش في الرقة ودير الزور، فإن واشنطن، بدورها، تنفذ غارات جوية على التنظيم ذاته في العراق المجاور، وسمحت العمليات السورية بإحتواء هجمات داعش في المنطقة وعرقلة خطوط إمدادها نحو الغرب العراقي وتأخير هجومها على أربيل، وبرغم أن العمليات الأميركية السورية المشتركة ضد "داعش" أملتها ضرورات عسكرية عاجلة لوقف تقدمها على ضفتي الحدود السورية العراقية التي بات "داعش" يسيطر على جزء كبير منها يصل تركيا بالمثلث السوري العراقي الأردني، إلا أن استمرار تدفق قوات "داعش" من ظهيرها السوري سيجبر كافة الأطراف على تعاون أوسع مع دمشق. ويرى مراقبون أن النظام السوري يدرك أن الإنفتاح الغربي سيكون عبر قنوات أمنية وليس دبلوماسية، فالانفتاح الدبلوماسي والسياسي يحتاج لوقت أطول، وفي هذا السياق، تشترط دمشق أن يرتبط التنسيق الأمني بعودة الاتصالات السياسية، وهو أمر سبق أن أكدته للمبعوثين القادمين إليها، وفي هذا الإطار لا يستبعد أن يلعب الطرفان الإيراني والروسي دوراً في توحيد صيغة تعاون دولية مع الجانب السوري، خصوصاً أن خطوط الإيصالات لهذه الغاية مفتوحة بين طهران وواشنطن، سواء عبر اللقاء الجانبي بين الطرفين الذي جرى في سلطنة عمان، أم من خلال إتفاق الطرفين على التضحية برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لتأمين دعم دولي ضد داعش إلا أن الأثمان التي يمكن أن تدفع في الحالة السورية بالنسبة لطهران تبقى مختلفة عن تلك التي في العراق، وتخضع لإعتبارات أكثر تعقيداً، لا ترتبط بسورية بل بجيرانها، وبينهم الأردن ولبنان وفلسطين المحتلة وإسرائيل. وأخيراً أختم مقالتي بالقول، إن سوريا التي إنتعش الإرهاب في معظم مناطقها، بتمويل نفطي وتسهيلات تركية، لا توجد قوة على الأرض، قادرة على التصدي لـ "داعش" وجيوشها، إلا النظام السوري وجيشه، لذلك من يُرد صادقاً محاربة الإرهاب عليه بدمشق، فلا نهاية لهذا التنظيم المسلح إلا بمباركتها، ومتى كان القرار كان النصر، في إطار ذلك هل واشنطن مستعدة للإنفتاح على دمشق، وإدراجها في التحالف الدولي، أم أنها ما زالت تريد ضرب النظام بـ "داعش " و"داعش" بالنظام، في حرب الإفناء المتبادل حتى آخر سوري؟ فأمريكا وحلفاؤها العرب والغربيون أمام مأزق خطير ومن صنع أيديهم، تتواضع أمامه كل المآزق الأخرى، بما في ذلك أخطار تنظيم القاعدة الأم، لذلك سيكون من الحكمة إعادة فتح قناة اتصال مع النظام السوري لمكافحة خطر التنظيم. 
*صحفي وكاتب أكاديمي في العلوم السياسية 
Khaym1979@yahoo.com