2024-04-27 04:11 ص

روجيه غارودي حذَّر العالم من الفوضى المدمِّرة !!

2014-09-13
بقلم: إبتسام نصر الصالح
ولِد عشية الحرب العالمية الأولية عام 1913 واعتنق الماركسية كاتجاه فلسفي وبذات الوقت اعتنق المسيحية كاتجاه روحي وفيما بعد تعرَّف على الروحانية الإسلامية ، له عدد هائل من الكتب والمحاضرات والحوارات واللقاءات إضافة لإطلاقه مؤتمر الحوار المسيحي –الماركسي إنه الباحث والفيلسوف الفرنسي (روجيه غارودي) مؤلف كتاب (كيف نصنع المستقبل؟) وهو في ال85 عاماً من عمرهِ.كان دائماً بجانب الحق الفلسطيني ويدافع عن القضية الفلسطينية في كتاباته ومواقفه السياسية. *إيقاف مسيرة الفوضى: قدَّم (روجيه غارودي) كتابه (كيف نصنع المستقبل بعنوان بسيط (الهدف من هذا الكتاب) هو(إيقاف مسيرة الفوضى ) ، وها نحن لآن نشهد ونعيش الفعل المدمِّر لهذه الفوضى التي خلقتها أمريكة في العالم بهدف السيطرة عليه.وهنا لابد من نذكر كيف حذّر (غارودي) من هذه الفوضى قائلاً:" لكن ستقولون ليست مهمتي أن أكون فيلسوفاً! ولا مهمتي أن أكون حارساً ليلياً.لكني شاهدت النار تشتعل في المنازل المجاورة، وشاهدت العاصفة تدفع تلك النار إلينا.حينئذٍ لم أشأ، وقد عشت القرن الملعون، أن أموت دون أن أطلق صرخة تنبيه. انهضوا! افتحوا عيونكم. يجب أن تكون صافية لترى الأفق. ولابد أيضاً من الإمساك بالدفة، وإدارة الظهر لليل، وعدم انتظار الظُهر للإيمان بظهور الشمس." *القرن الحادي والعشرين وخطر الموت القادم، من وراءه وما تجلياته ؟ هذه النقاط الثلاث يطرحها المؤلف في كتابه هذا ويحذِّر عبر تحليل تاريخي لأصل البلاء الذي يعود بجذوره إلى تلك المطامع الاستعمارية بثروات الشعوب التي كانت تعيش حياة بسيطة هادئة إلى أن جاءتها العصابات الباحثة عن الذهب والثروات فقضت على حضارتها الأصلية واستعمرت أرضها ونهبت خيراتها بحجة أن هذه الشعوب بدائية ولم تعرف الحضارة وهذه العصابات اكتشفت هذه البلدان وأدخلت الحضارة إليها وأنقذتها من البربرية التي كانت تعيشها، ومن هذه الأكاذيب حول الاكتشافات وإدخال الحضارة يبين المؤلف ص23( كتب من يُدعى "كريستوف كولومبس"، وهو أول مُفسِد للنفوس، إلى ملوك اسبانيا، في رسالة إلى ملك اسبانيا:" الذهب هو أثمن من جميع الخيرات...من يملكه يحصل على كل ما يحتاج إليه في هذا العالم وكذلك على الوسائل لإنقاذ الأرواح من المطهر وإرسالها ذات يوم إلى الجنة." وفيما بعد تمت سيطرة الملك غارسيا دي توليدو على كنوز البيرو بحجة التبشير وإدخال الحضارة وبقيت تحت سيطرة الاستعمار لقرون عديدة . إلى أن توصلت أمريكة والدول الاستعمارية إلى فبركة طريقة استعمارية جديدة وحاذقة للسيطرة على العالم الثري بخيراته والفقير بطريقة إدارتها حيث اخترعت هذه الدول ما يسمى صندوق النقد الدولي الذي بموجب إعطائه الديون لأية دولة تصبح هذه الدولة تحت رحمة أميركة لأنه سيفرض عليها نوعية الزراعات المسموحة لها والصناعات وبالتالي سيكون هذا البلد بحاجة دائمة للاستيراد المتزايد وبالتالي تأتي مرحلة الخصخصة التي تطيح بإمكانية التحرر من التبعية لأميركة . ص47(إن البلد العضو في منظمة التجارة العالمية لم يعد يستطيع لا أن يحد من صادراته الزراعية ولا أن يدعم استثماراته . ولا أن يرفض إقامة الشركات المتعددة الجنسيات التي يجب أن تمنح الشروط نفسها التي تمنحها الصناعات الوطنية ، كل ذلك باستثناء الولايات المتحدة التي تستطيع أن تبيح لنفسها كل شيء بما في ذلك أن تمنح قوانينها توسعاً دولياً ملزماً،مثل قانون "هيلز برتون" الذي يمنع الاستثمارات في كوبا، أو قانون"أماتو" في إيران وفي ليبيا. وكل مخالفة لهذه الأوامر المفروضة تجعل من البلد المخالف"جانحاَ" قابلاً للانتقام الاقتصادي، وهو تهديد رهيب كالسلاح. وتعلم البلدان الخاضعة لصندوق النقد الدولي كم كلفهم ذلك من فتن ومن موتى.). وإضافة للهيمنة الأمريكية على الثقافة عبر وسائل الإعلام ويؤكد غارودي على هيمنة اللوبي الأميريكي الصهيوني على فرنسا، إضافة للهيمنة الاقتصادية الأمريكية على البلدان التي تتعامل مع منظمة التجارة العالمية ص68( المادة 301من القانون الأميريكي تتيح حماية إنتاجها الخاص، في حين أن ال Gatt تفرض على جميع البلدان التبادل الحر الذي يفسح المجال لجميع الواردات الأميركية. وهكذا يشرِّع القادة الأميركيون للعالم بأسره.) *الحل أين يكمن؟ كيف الخلاص من هذه الهيمنة الأميركية ؟ لا يكتفي المؤلف (غارودي)بالتحذير وعرض المشكلة وإنما يقوم منهجه الفلسفي في هذا الكتاب على وضع خطط مستقبلية لأجل العالم والحياة الإنسانية فيطرح التساؤلات ومن ثم يقدم عبر فلسفته الخاصة رؤيته للحل ومن هذه التساؤلات: كيف تبنى الوحدة الإنسانية للحيلولة دون هذا الانتحار الكوكبي؟ ويجيب على هذا التساؤل بطرح أربع تحولات للخلاص وهذه التحولات هي : 1-التحول الاقتصادي: ويعتبر (غارودي) أن النمو وازدياد الإنتاج ليس هو الحل وإنما بإنقاص ساعات العمل التي يمكنها بذلك حل مشكلة البطالة وذلك لأن استخدام التقنيات الحديثة يرفع نسبة الإنتاج بعدد أقل من العمال إذاً فليكن بالمقابل إنقاص ساعات العمل وتوظيف عدد أكبر من العاطلين عن العمل ولماذا هذا التمسك بعدد محدد ودائم لساعات العمل؟!!! حقاً ما السبب؟!!أما بالنسبة للعلاقات الاقتصادية فلتكن مفتوحة على محاور أخرى بديلة عن أوربا وأمريكة وبهذا نتخلص من التبعية.والأهم التخلص من كذبة السوق الحرة التي هي قاتلة للديمقراطية كما يقول (غارودي)وذلك عبر :ص69(1-الإلغاء الكلي للدَين الذي لا أساس له ولا مسوِّغ.2- إلغاء كل عون مالي لحكومات العالم الثالث.3-منح القروض العامة والخاصة لا إلى الحكومة وإنما إلى التعاونيات والنقابات ..ومن أجل مشروعات محددة وذات نفع عام مع أفضلية المناطق الزراعية لغاية هي الاكتفاء الغذائي الذاتي 4- القبول بأن يكون تسديد القروض أساساً بعملة البلد المقترِض5- الشروع بجدولة شريفة للمنتوجات6- وإزاء تضخم المشروعات: التي تهدف على الخصوص إلى استثمارات الشركات الكبرى ، يجب احترام تاريخ كل شعب وثقافته واستخدام التقنيات الوطنية ) ، وبالمقابل يشدد (غارودي على ضرورة (رفض دفع هذه الديون لصندوق النقد الدولي ورفض الابتزاز وضرورة إقامة صندوق للتضامن ورفض المساعدات السخيفة ومعارضة كل مقاطعة يفرضها تعسفاً سادة العالم الموقتون على البلدان التي ترفض سيطرتهم .) وأخيراً : يطلق غارودي الحل الأنجع وهو المبادلات الاقتصادية بين الجنوب والجنوب وبين البلدان التي تملك 80% من موارد العالم الطبيعية على أساس المقايضة لكي لا تستخدم الدولار مع الحرص تدريجياً على إلغاء تداول الدولار عالمياً للقضاء على المضاربة.تترتب على ذلك المقاطعة المنهجية للولايات المتحدة وتابعيها ولاسيما إسرائيل المرتزقة من الغرب ضد ثقافتنا وضد السلام.ومكافحة ثقافة هوليود ومنتجاتها وأدواتها المسلية وجميع تجلياتها الأخلاقية والمادية لانحطاطها. 2- بالتحول السياسي: ويطرح المؤلف تساؤلاً: ما جدوى حقوق الإنسان لمن ليس لديه وسائل ممارستها؟ وهذه الحقوق هي تستخدم للهيمنة والاستعمار ويطرح مثالاً حياً ص78( التدخلات العسكرية للدفاع عن الحدود تطبق تطبيقاً وحشياً عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن النفط الأميركي في الكويت، لكن لا يباشر بأية عقوبة بالرغم من إجماع الأصوات في الأمم المتحدة، عندما تضم إسرائيل القدس....) ولكن بالمقابل يطرح رؤيته حول ضرورة وضع إعلان عام لواجبات الإنسان ويضع لها مقدمة تحكي عن وحدة الإنسانية والتي في الواجبات على كل إنسان أن يعمل لتطورها الخلَّاق هذا الواجب الذي يميز الإنسان عن الحيوان ويسعى الإنسان بحسب الواجبات ليجعل للحياة معنى والابتعاد عن الإنتاج الاستهلاكي. وقدَّم مشروع إعلان واجبات كل إنسان. ويقدّم المؤلف مثالاً حقيقياً حول التضليل الإعلامي وهو مشابه لما نراه اليوم ص85( أما بالنسبة إلى البالغين فالصورة الكاذبة والمقابلة الملفقة لهما عواقب أشد فتكاً: عندما تُخرَج من معرض الجثث في تيميسوارا جثتا امرأة وطفل (ماتا في زمنين مختلفين) وعندما ينجح المونتاج فإنه يوهم بحدوث مذبحة وحشية تشرط الرأي العام لتصوغه بحسب حاجات اللحظة السياسية)، وحول شهود العيان الزور الذين شاهدناهم على قنوات التضليل هذه الأيام يقدم غارودي مثالاً مشابهاً وحادثة حقيقية ص85( وعندما يروي شاهد عيان في التلفزيون الأميركي كيف أن الجنود العراقيين سحبوا رضَّعاً من محضَنتهم وكسَّروهم على الأرض فإن الرئيس بوش يتذرع بهذه الشهادة ليحمل الرأي العام على قبول تذبيحه لشعب بهذه الهمجية، ولذبح طفل كل ست دقائق بالمقاطعة، بعد ذلك بست سنوات ثم كُشِفَ النقاب، بعد إتمام العملية، أن شاهد العيان كان ابنة سفير الكويت التي لم تطأ أرض بلادها في اللحظة التي كانت فيها القوات العراقية في الكويت، كان ذلك عملاً بالغ الإتقان لفعالية الصورة، لا كسلعة فحسب وإنما كسلاح من أسلحة الحرب) 3- بتحول التربية: الحل التربوي يقدمه المؤلف واضحاً جلياً ص100 (لنبدأ بتعليم القراءة) ، وقد وضع يده على الجرح ، حقاً كيف لنا بالتخلص من الأمية المتفشية؟ ويقدم تقارير إحصائية دقيقة جداً حول هذه المشكلة العالمية ص100( كشف تحقيق للOCDE أن ربع السكان البالغين في العالم"النامي" يواجهون صعوبات جادَّة في القراءة والكتابة. ملايين البالغين على حافة الأميَّة في البلاد النامية 100% تقريباً من قرعة السن الواحد في فرنسا -بموجب تحقيق حديث للINSEE أنجز مع المجندين الجدد- يجدون صعوبات كبيرة في القراءة.وبالإجمال ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف شخص تطالهم الأمية في فرنسا(أي 9% من السكان البالغين.لكن النتائج في بلدان أوربية أخرى مشابهة تقريباً في ألمانيا، ذُكِرَ رقم ثلاثة ملايين شخص إذا ما فُهِم بالأمية " العجز عن قراءة وكتابة عرض بسيط أو قصير للوقائع المتصلة بحياته اليومية مع فهمه (تعريف اليونسكو). وتحتفظ الولايات المتحدة، بين البلاد التي تُدعى نامية بالرقم القياسي في الأمية ، شأنها في جميع مظاهر الانحطاط.) والحل: يدعو المؤلف إلى ضرورة وضع أهداف للتربية وقلباً كاملاً لمعطيات المشكلة حتى لا تبق التربية تسعى للتكيف مع الفوضى القائمة وإنما أن تكون مشروعاً يرتكز على: القراءة والتاريخ والفلسفة. ويشدد المؤلف على أهمية القراءة ص102( كل شيء يبدأ بالقراءة التي بها بدأ التصور الكامل للثقافة ) ويقدم المؤلف رؤيته الخاصة لمفهوم القراءة ص103( معرفة القراءة ليست ترجمة شفهية للعلامات المكتوبة في صحيفة أو كتاب وإنما هي معرفة قراءة الواقع وحل رموز الكلمات –الأحابيل، وتكوين رؤية واضحة للعالَم وانشطاراته من أجل تحويله) وفيما ينعلق بالتاريخ : يوضح المؤلف أن ما يرد في كتب التاريخ لا يقدم ثقافة البلد الحقيقية فلا نجد ذكراً للخرافات الإسرائيلية على سبيل المثال حقيقة ما أطلقته (كولدامائير) حول (فلسطين أرض بلا شعب وإسرائيل شعب بلا أرض ) هذه الكذبة التي أتت بعد جرائم إسرائيل ص127( وقبل كل شيء أسطورة: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وهي قديمة منذ قرن وقد استأنفتها كولدامائير التي أنكرت حتى وجود الفلسطينيين ومن أجل إثبات الأسطورة اقتلع القادة الصهيونيون بالبلدوزر 81% من القرى الفلسطينية لإقناع الزوار أنهم أعادوا إلى الصحراء نضارتها.) وفي الفلسفة: يؤكد غارودي على ضرورة الانتقال إلى فلسفة الفعل لا الوجود. ويستعرض مفاصل الفلسفة في العالم منذ أقدم الأديان حتى الآن. 4-بالتحول الدِّيني: حين نبتعد عن الاستعلاء الذي يؤدي إلى التطرف والكراهية وعدم تقيل الآخر وننتقل إلى التعالي والسمو لدرجة احترام كل الأديان والأخذ منها ما يغني ثقافتنا ويؤكد احترامنا لديننا ويعمِّق الإيمان ويمنحنا القوة للعطاء والإبداع والعمل الخلَّاق. وأخيراً يفرد المؤلف قسماً للحديث عن أعماله وعلاقتها بحياته.
*الكتاب: كيف نصنع المستقبل *المؤلف: روجيه عارودي
 *المترجم: صيَّاح الجهيم *الناشر: دار عطية. لبنان *طبعة:1998

الملفات