2024-04-26 09:40 ص

الواقع الداعشي .. بين التضليل والعويل والتعويل

2014-09-14
بقلم: محمد بكر *
يمضي " داعش " قدماً في تغلغله وتصديره لأقسى صور العنف على امتداد جغرافية انتشاره , لم يهزه أو يرعبه كل ما يدور " فوق الطاولة " الدولية من تهديدات واستراتيجيات وتحالفات وائتلافات دولية أو إقليمية تنسج ما تنسج ,لمواجهته ومحاربته , إذ لطالما كان ولايزال جزءاً من اللعبة, ولاعباً رئيساً بات يتصدر المشهد السياسي برمته, يدرك تلافيف ما يجري تحت الطاولة ,وأي مهام ٍ موكلة, وأي دور ٍ يلعبه في مسلسل الإرهاب الأميركي ,هذا المسلسل الذي تنتفي منه أي وحدات قتالية على الأرض العراقية لمواجهة " داعش " ويؤجل فيه أي سيناريو للقضاء على نفس التنظيم في سورية, وكل ما يتعلق بذلك يتم بالتنسيق مع الكونغرس و لايزال قيد التدارس والتشاور بحسب ما أعلن الناطق باسم البيت الأبيض, في حين يمضي الغرب في إطلاق معزوفته "النشاز" وبالطبع على إيقاع " داعش " , معزوفة " القلق " والخوف من ارتداد الإرهاب إلى أراضيه , إذ لم تكد تمضي ثمانٌ وأربعون ساعة على تصريحات عرّاب السياسة الأميركية والغربية وثعلبها الشقي هنري كسينجر المتسترة خلف جبلٍ من المكر والحقد لجهة مطالبته الإدارة الأميركية بضرورة توجيه ضربات حاسمة " لداعش " والقضاء التام عليه في سورية والعراق, حتى أسدلت الستارة عن كل ذلك الهيجان والامتعاض الأميركي المُظهّر ضد داعش, ليظهر ما تبطنه النفوس , ولتسقط الأقنعة عن الوجوه المنافقة, ولترتسم مجدداً صور المحاور ولعبة الأمم ,إذ لم يجد " وزير المكر" أي حرج في الإعلان عن أن إيران تشكل تحدياً أكبر من داعش على المصالح الأميركية والغربية وأن المواجهة مع " داعش " يمكن إدارتها بيسر بالمقارنة مع صراع مرير مع إيران, كيف لا وهو صاحب الشفافية والوضوح منقطع النظير, ومنذ بدايات المشهد الدموي في سورية عندما أعلن بالفم الملآن أن كل " الثورات " العربية لم تصنعها أميركا من أجل عيون العرب إنما من أجل الوصول لإيران وسورية.‏‏ إذا ً هي " المرارة " التي تستشعر بها الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها " إسرائيل " وتتوخيان حدوثها في أي مواجهة عسكرية محتملة مع إيران, ولاشك في أنه شعورٌ في مكانه الصحيح , إذ لطالما ثبت بالدليل المادي أن كل تلك الترسانة والتقنية العسكرية الإسرائيلية وفي مقدمتها القبة الحديدية قد أثمرت سيلاً من المفاعيل الهامشية على أقل الجبهات تسلحاً وهي جبهة غزة ,وقد غدت فيها تلك القبة وكأنها ألواح ٌُمن التوتياء لم تستطع أن تمنع نفاذ ما أمطرته بها المقاومة الفلسطينية من صليات صواريخها على مدى واحد وخمسين يوماً من الصمود المجبول بالدعم الإيراني الذي خلّف آثاره ومفاعيله بوضوح على أرض الميدان بالرغم من كل محاولات طمسه والتستر عليه على شاشات الرجعية الخليجية, إضافة إلى ذلك فإن كل المحاولات الأميركية التي تم فيها تصنيع الفوضى وتقديمها كمنتج جاهز " للحرية والديمقراطية " وتسهيل تسويقه ليصبح في متناول المستهلك العربي, لم تترك الآثار الجانبية المأمولة, بدورها لم تجدي السيناريوهات الأخرى التي استقدمت " الإسلام السياسي " المتحالف مع الامبريالية الغربية , أي نفع ٍفي وضع خواتيم فاعلة للمسلسل الأميركي المسمى "ربيعاً " , لجهة إشباع الرغبة الأميركية في التدمير الكامل والفاعل لقدرات ومنظومات الدفاع لدى جبهة المقاومة, كل ذلك لم يكن لولا وفرة " المصل" الإيراني المضاد, ومن هنا تأتي البرودة الأميركية في التعامل مع التواجد الداعشي في سورية, طناً منها أنه قد يجلب لها السعادة في خواتيم مسلسل الحرب على سورية ويشبع رغبتها لجهة شل ما أمكن من منظومة الردع و " عمي العيون " التي يمتلكها وأعلن عنها الجيش السوري وحزب الله.‏‏ في اعتقادنا أن كل مايتم تظهيره من نية حقيقية للغرب وأميركا لمواجهة الإرهاب وما يحكى عن ائتلافاتٍ هنا وتحالفاتٍ هناك ضد "داعش " , لن ترى النور ولن تؤتي أكلها حتى " يلج الجمل في سَمّ الخِياط " وإن كل ماجرى ويجري لوجستياً في الداخل العراقي هو بمثابة إبرام صك أميركي للنيات الحسنة وصدقية التوجه نحو مكافحة الإرهاب, لكنه في مرحلة ما سيكون أي "واقع داعش", الممر الشرعي و "حصان طروادة " المصادق عليه دولياً, لأميركا وحلفائها للتدخل المباشر والسلس بذريعته وتحت عنوانه بهدف تحقيق " الأحلام " من بوابة مكافحة الإرهاب , وعليه فإن إطلاق الصيحات المدوية ورفع منسوب العويل لما يقوم به " داعش " من تطهيرعرقي وديني بكل ما يحمله هذا التوصيف من معنى , والتعويل على المحافل والمجالس والمؤتمرات والقمم الدولية والاقليمية لن يغير في الواقع المقيت المسمى " داعش " قيد أنملة , ولن يثني أميركا وحلفائها عما هم ماضون فيه وإليه, ولن يمنع عرض المزيد من سيناريوهات وحلقات الأبلسة الأميركية, ولن يجهض ولادة المزيد من مستنسخات " داعش " وغير " داعش".‏‏ إن المطلوب اليوم من المحور المناوئ / لواشنطن وحلفائها في المنطقة/ هو وضع استراتيجية فاعلة قادرة على " تعطيل صرف" الوصفات الأميركية ,والتموضع في النقاط الأكثر إيلاماً والأشد تأثيراً واستهدافاً لواشنطن ومصالحها في المنطقة , وإلا فاليوم " داعش " وغداً " فاحش" والقائمة قد تطول وقصص الإرهاب قد لاتنتهي وبالطبع على خط لبنان - روسيا "فقط" .‏‏
 * كاتب سياسي فلسطيني مقيم في سورية