2024-04-27 12:50 ص

أوباما في المصيدة السورية!!

2014-09-23
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي*
لن نتوقف عن الحديث عن تدهور الأوضاع في سورية، ولن نكف عن توجيه المزيد من اللوم للمجتمع الدولي الذي يشهد التدخلات الأمريكية والإسرائيلية فيه لإشعال الفتن داخل أحد أكثر الأوطان حضارة في التاريخ ولا يتحرك، فما تقوم به التنظيمات والمليشيات المسلحة هناك بدعم كبير ومفتوح من أمريكا وحلفاؤها في المنطقة، أمر لا يمكن السكوت عليه أو القبول به، لأن هذه المليشيات المسلحة يستغلون معاناة الأبرياء والضعفاء والفقراء من أبناء سورية لتأليبهم على الدولة السورية لإسقاطها، وإقامة دولة تأخذ تعليماتها من أمريكا مباشرة لإدارة شؤون هذا البلد، الذين حولوه الآن إلى بيئة صالحة للفتنة والطائفية والحقد والانحدار بالقيم. في السابق فشل أوباما في خلق ظروف سياسية مناسبة من أجل توجيه ضربات جوية ضد النظام السوري، صانعاً ذرائع من إستخدام أسلحة غاز الأعصاب، والتي فندت لاحقاً، ومن هنا يسعى أوباما إلى تحقيق الهدف نفسه عبر مختلف الأساليب والأكاذيب التي يصطنعها، مستخدماً "داعش" كذريعة لإدخال القوات العسكرية الأميركية إلى داخل سورية، التي ستصبح رأس الرمح للإطاحة بالأسد وتنصيب أنظمة دمى موالية للولايات المتحدة في مكانه، ومن هذا المنطلق ما تزال الإدارة الأميركية باقية على تصميمها كعادتها دائماً على إغراق المنطقة في أتون الفوضى العارمة، ومحو الحدود الموجودة، وتنصيب حكومات موالية وتابعة لها من أجل تحقيق أهدافها وأطماعها في المنطقة، والدولة الإسلامية التي كانت بشكل رئيسي إختراعاً وإبتكاراً للغرب وحلفاؤهم من الدول العربية، تخلق بشكل مناسب ذلك المسوغ المطلوب لغزو دموي آخر لمنطقة الشرق الأوسط، بمعنى دقيق أن واشنطن صنعت تنظيم "داعش" وفق مواصفات تخدم أهدافها الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، كما خلقت من قبل القاعدة. واليوم ما تطلقه إدارة أوباما ليس إستراتيجية يجد الرئيس نفسه على أن يجيزها بعد إستصغار خطر داعش، بل إنها إستراتيجية مسطرة منذ سنوات، فلقد تشكلت النواة الأولى لتنظيم داعش المستقبلي عندما مول الناتو بقيادة أمريكا وإسرائيل وسلح ودرب الجماعات الإرهابية الإسلامية في ليبيا حتى الإطاحة بنظام القذافي وبعد ذلك ذهبت إلى سورية للإطاحة بالأسد، وهنا، في عام 2013، ولدت داعش، التي تحصل على الأسلحة والمال وتسهيلات العبور من الدول الغربية وبعض الدول العربية والخليجية، في إطار مخطط وضعته الـ"سي.آي.أي"، والهدف الحقيقي من الإستراتيجية التي أطلقها أوباما هو تقويض سورية وغزو العراق من جديد، علاوة على ذلك، تقوم الولايات المتحدة، من خلال إشراك الحلفاء الأوروبيين (ومنهم إيطاليا) على الجبهة الجديدة الشرق-أوسطية، وفي الوقت نفسه على الجبهة الشرقية ضد روسيا، بتقوية نفوذها في الإتحاد الأوروبي، الذي لا تريده موحداً إلا تحت زعامتها، وبالتالي فإن الحرب على روسيا لها غاية محددة وواضحة وهي إستنزاف القوة العظمى المنافسة المهيأة لتزعم حلف مناهض للهيمنة الأميركية وهو ما يفسر سيل العقوبات الإقتصادية والمالية التي إستهدفت روسيا وطالت نتائجها المؤلمة دولاً أوروبية أجبرتها الولايات المتحدة على تنفيذ مختلف العقوبات بحق روسيا، وبالمستوى ذاته تؤكد الولايات المتحدة تصميمها على مواصلة حربها ضد سورية على الرغم من تخيل الكثيرين أن واشنطن قد تتكيف مع شروط المجابهة ضد الإرهاب وتنقلب على نفسها سياسياً عبر الإستدارة لطلب التعاون مع الدولة الوطنية السورية التي فشل المخططون الأميركيون في النيل منها بدعم فصائل القاعدة وسواها من تشكيلات الإرهاب الأخرى. وبالرغم من إن الحرب على "الدولة الإسلامية" هي حرب واحدة في كل من العراق وسورية لكنها هذه المرة يبدو أن الولايات المتحدة تخوض حربين منفصلين رغم أن الأطراف الفاعلة والمشتركة هي واحدة ماعدا معادلة نظام الأسد في سورية، وهذا ما يمثل عقدة في وجه السياسة الأميركية وإستراتيجية أوباما بمواجهة "لدولة الإسلامية" في العراق وسورية، والمعضلة في مواجهة "الدولة الإسلامية" في سورية هي خشية الكونغرس الأميركي وإدارة أوباما وإطراف إقليمية أخرى، من إن ضرب "الدولة الإسلامية" ربما يقوي نظام الأسد ويعطيه الإستمرارية، ومن هذا المنطلق أصبحت الولايات المتحدة أمام خيارين، الأول الإتفاق مع نظام الأسد بعدم التعرض الى الطيران الأميركي، بضرب معاقل "الدولة الإسلامية" دون وجود تحالفات أو إتفاقيات سياسية مع الأسد، وهذا ما رفضته دمشق، وإعتبرته إنتهاكاً الى سيادة أراضيها ويأتي هذا الموقف مع الموقف الروسي والإيراني الداعم للأسد، أما الخيار الثاني الذي يصب في مصلحة الأسد وهو إيجاد حل سياسي في سورية بالإشتراك مع الولايات المتحدة من أجل مكافحة الإرهاب، هذا الخيار، يعني من وجهة نظر الكونغرس الأميركي والأطراف الرافضة لنظام الأسد، بأنه يعمل على تقوية نظام الأسد ويعطيه الشرعية، وبالتالي فإن الولايات المتحدة تريد ضبط الإرهاب القاعدي والداعشي لتعيد إستعماله ضد روسيا والصين وإيران ضمن خطتها الإستراتيجية لضرب القوى المنافسة عالمياً ولترويضها، وهي تسعى في مواصلة الحرب على سورية إلى الإلتفاف على هزيمتها ومنع إنهيار حلفائها وشركائها الذين تورطوا بقيادتها في العدوان على سورية، وستكون الخطة الأميركية المحتملة في مواجهة النظام السوري، تعطيل قواعد الصواريخ السورية المضادة للطيران، والتشويش على إتصالات ونظام رادارات القوات السورية النظامية، والإعتماد على معلومات المسح الجوي، والعمل على إيجاد شبكة عملاء على الأرض داخل النظام السوري وإيجاد انشقاقات جديدة داخل النظام السوري، والتركيز على العمليات المسلحة للمعارضة السورية والجبهة الإسلامية والجيش الحر بريف دمشق، وفي إطار ما سبق يمكنني القول إن الدولة الوطنية السورية التي تواصل حربها على عصابات التكفير الإرهابية هي القوة الصلبة والمتماسكة التي تتقدم الحرب على الإرهاب ومن يريد عملاً مجدياً ضد التكفير الداعشي والقاعدي ليس عليه سوى الإنضمام إلى الجهود السورية بدلاً من اللهاث خلف سراب الحرب الفاشلة على الدولة السورية وشعبها. وأخيراً أختم مقالي بالقول إن مصلحة سورية البلد، وسورية الشعب، وسورية الدولة قد تقتضي مواجهة دولية أكبر"حلفاء سورية" لإيقاف التدخل الأمريكي بسورية فضلاً عن جرائم المليشيات المسلحة عند الحد الذي وصلت إليه، بكل ما أوتيت من جهد للحفاظ على سورية متصالحة مع نفسها، وحريصة على مستقبل شعبها،رغم كل هذا الدمار الذي يعمل على تكريسه الغرب لتفتيت بنيتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية والإنسانية أيضاً. 
*صحفي وكاتب أكاديمي في العلوم السياسية 
Khaym1979@yahoo.com