2024-04-27 12:40 ص

تحالف قبلي ـ تكفيري برعاية سعودية للانقلاب على «أنصار الله» في اليمن

2014-10-11
خليل حرب
لا مشهد يعلو على الصورة التي خرجت من صنعاء قبل يومين لأشلاء ضحايا هجوم عصابات الإرهاب، ولم تحل دون إقبال اليمنيين على تحدي الموت، للمطالبة بردع «السفارات الأجنبية». لكن الخطر الآتي يبدو أعظم. وهو ذاته، العصابات ذاتها، من اليمن الذي لم يعد سعيدا، في أقصى الجنوب العربي، الى أقصى الشمال في الموصل العراقية وعين العرب السورية. السكاكين ذاتها، وأتباع «الخلافة» ذاتها، ومشارب تكفيرية جامعة، والاحتضان الإقليمي المتعدد الأوجه.
المطلب يبدو مشروعاً، ردع السفارت الاجنبية عن التحكم بمصيرنا، كما يقول الحوثيون، وهم يرون ما فعلته السفارات، من اليمن الى سوريا ولبنان والعراق وليبيا وغيرها. ظنوا أن مسار العملية السياسية قد فتحت أبوابها بعد «الانتفاضة» التي قادها الحوثيون وسيطروا خلالها على العاصمة قبل 20 يوما.
كانت مؤشرات الانفراج قد تعاظمت مع توقيع «اتفاق السلم والشراكة»، ما إن بسط «أنصار الله» سيطرتهم على العاصمة اليمنية، بعدها بساعات. وتباهى الحوثيون، بكل ما أوتوا من رومانسية ثورية، بأن اليمن قد يتحرر أخيرا من سطوة السفارات ونفوذ دول الجوار. تعزز التفاؤل، بصدور مواقف مرحبة بسرعة من دول الجوار، وخصوصا السعودية التي رحبت باتفاق اليمنيين، قبل أن تبدأ تقارير مغايرة بالظهور، ويعكس العديد منها شعور المملكة التي تعتبر نفسها اللاعب الاكبر على الساحة اليمينية طوال عشرات السنين، بأنها تعرضت لـ«هزيمة» في ما يمكن تسميته «حديقتها الخلفية».
يشعر الحوثيون وأنصارهم الآن بأن هناك من بدأ بتحريك القوى الداخلية وحشدها، للانقلاب ضدهم. العملية الانتحارية التي وقعت في صنعاء قبل يومين، وهجمات اخرى نفذها تنظيم «القاعدة» في عدد من مناطق اليمن، واستهدفت الجيش والحوثيين، وتباهي المواقع الالكترونية المؤيدة للتكفيريين بمشاهد الجثث والأشلاء وعمليات الذبح، كلها تشير الى ان الفرح اليمني ولو كان صعبا، ما زال بعيد المنال. هذه هي الرسالة التي يريد البعض إرسالها الى اليمن الذي لم يعد سعيدا. تبدو «الهزيمة» السعودية، أكبر من ان تبتلع المملكة كأسها المرة، بسهولة. افتتاحية صحيفة «عكاظ» السعودي أمس تحت عنوان «ساعة الصفر في اليمن»، وما تتضمنه من إشارات الى تجييش قبلي ضد الحوثيين، تحمل الكثير من المعاني في هذه المرحلة.
ولا تقتصر المخاوف على الجانب الامني. هناك حديث متجدد عن انفصال الجنوب، بعدما تم الكشف عن رسالة وجهها الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم البيض إلى مجلس الامن الدولي، تضمنت اقتراحاً بإجراء استفتاء لاستقلال الجنوب الذي أعاد توحده قبل 20 سنة، بقوة السلاح والكثير من الدماء.
ولهذا يزداد المشهد اليمني تعقيداً، فماذا يريد «أنصار الله» الآن؟
يلخص عضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله» ضيف الله الشامي لـ«السفير» المطالب المطروحة الآن بعد سلسلة تطورات أساسية بينها خطاب السيد عبد الملك الحوثي قبل ثلاثة أيام الذي حذر فيه من تدخل السفارات وخطر الارهاب، وتصاعد الهجمات الارهابية، واستقالة رئيس الوزراء المكلف أحمد عوض بن مبارك الذي أغضب تعيينه يوم الثلاثاء قادة الحوثيين، لان تكليفه جاء كانقلاب على التوافق الذي جرى بين الأطراف السياسية مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
ويقول الشامي لـ«السفير» ان المطالب الاساسية الآن لـ«أنصار الله» والحراك الثوري، تتمثل بثلاث نقاط:
1- ندعو رئيس الجمهورية الى تنفيذ اتفاق السلم والشراكة الذي وقعت عليه كل المكونات اليمنية في 21 ايلول الماضي.
2- الالتزام بأسماء تم التوافق عليها ليختار منها رئيس الجمهورية اسما يكلفه تشكيل الحكومة الجديدة، وألا يكون ذلك بضغط من أطراف خارجية أو إقليمية.
3- تعزيز الإجراءات الامنية من جانب اللجان الشعبية وقوات الامن والجيش لضبط المجرمين والعصابات الساعية الى العبث بأمن اليمن في هذه المرحلة.
ومعلوم ان الأسماء التي كان قد جرى التوافق عليها قبل تكليف احمد بن مبارك ثم استقالته، هي احمد لقمان، يحيى العرشي، ايوب الحمادي، محمد مطهر وعبدالله الصايدي. وكان اختيار رئيس الجمهورية لاسم من خارج لائحة الأسماء المقترحة قد أثار ريبة الحوثيين، وأعلنوا صراحة ان أطرافاً خارجية بينها الولايات المتحدة والسعودية ربما تكون وراء الخطوة الاستفزازية من جانب الرئيس هادي.
وبحسب الشامي، فإن الأسماء المقترحة «مستقلة» وليس لها انتماءات حزبية وليس من بينها أي مرشح ينتمي الى «أنصار الله»، كما أن الحوثيين لا يؤيدون اسما دون آخر، وان موقفهم من التكليف الجديد الذي يتوقعونه خلال اليومين المقبلين، هو التوافق بين المكوّنات السياسية على المرشح، وان دور الحوثيين في المرحلة المقبلة سيقتصر على الشراكة والضغط والمراقبة لضمان تطبيق «اتفاق السلم والشراكة»، وعدم خروج رئيس الوزراء الجديد عن مسار الكفاءة والنزاهة، ومحاربة الفساد الذي جلب الويلات على كل اليمنيين.
وردا على سؤال بشأن تقارير تشير الى رغبة الحوثيين بالتخلص من الرئيس هادي، نفى الشامي ذلك جملة وتفصيلا، قائلا «حتى الآن لم نطالب باستقالته... لا نريد فوضى أكبر».
وردا على سؤال آخر بشأن قميص الامن الذي وجد الحوثيون انفسهم يرتدونه في العاصمة، قال الشامي «لا نريده وهو عبء علينا ونريد التخلص منه، ولكن لا يمكننا تركه لمن يعبث على الارض فسادا.... يجب أن يتعزز الجيش الوطني ليكون قادرا على الإمساك بالوضع الامني».
وأشار عضو المكتب السياسي لـ«أنصار الله» الى ان الاتهامات الموجهة لنا بـ«احتلال» العاصمة والتسبب بانفلات الوضع الامني، لا تشكل بالنسبة لنا أكثر من «ضجيج إعلامي»، لكنه يخالف الواقع لان الامن مستتب واليمنيين مرتاحون عموما للاستقرار الذي تحقق، مضيفا ان المنزعجين من ثورتنا هم فقط من يؤيد الفلتان الامني. وأضاف ان اللجان الشعبية تتحرك الى جانب قوات الامن لضمان أمن الوزارات والمؤسسات وأملاك الناس التي لم تتعرض للتخريب أو النهب.
لكن الشامي اتهم «قوى إقليمية» بالسعي لتشكيل «تحالف» ضدنا. وأضاف «لا دخان بلا نار»، مشيرا الى ان التقارير التي تتحدث عن هذا التحرك الاقليمي لتسعير الصراع بين اليمنيين موجود في الواقع، موضحا ان بعض دول الجوار لا يريد القبول بفكرة خسارته نفوذه الكبير على اليمن، وخصوصا الارتباطات بعائلة آل الاحمر وعلي محسن الاحمر تحديدا، الذي يعتبر بمثابة الجناح العسكري لحزب التجمع اليمني للاصلاح (الاخواني)، بالاضافة الى التنظيمات التكفيرية. وأكد الشامي لـ«السفير» «نعم انهم يحاولون تجميع العصابات المتناثرة، ضدنا».
واستغرب الشامي كيف ان هذه القوى الاقليمية، تتحدث عن صنعاء بصفتها مدينة «محتلة»، وهو تعبير لا تستخدمه عندما تتحدث عن فلسطين التي يحتلها الاسرائيليون، وكأننا لسنا من أبناء اليمن!
ودعا القيادي في «أنصار الله» دول الخليج والجوار والعالم الى «احترام إرادة اليمنيين وان يتركوا لهم حرية الاختيار، بعيدا عن السيطرة الخارجية والاميركية كما يجري مع الشعوب العربية والإسلامية الاخرى».
الى ذلك، ذكرت صحيفة «عكاظ» السعودية أن «قبائل مذحج وغيرها من القبائل اليمنية بدأت تزحف باتجاه مأرب والجوف وذمار وفق خطة الكماشة لمواجهة المد الحوثي المدعوم من الخارج، والذي يسعى إلى زرع الفتن والصراعات في أوساط المجتمع اليمني الواحد وتمزيقه إلى دويلات بعد أكثر من عشرين عاما من الالتئام للأسرة الواحدة».
وفي افتتاحية تحت عنوان «ساعة الصفر في اليمن»، كتبت الصحيفة أن «هذه الصحوة تأتي من قبل القبائل اليمنية المشهود لها على مر العصور بالقضاء على التمدد الفئوي القادم من صعدة، والذي دائما ولأكثر من 18 مرة يقوم بنهب صنعاء، قبل أن تواجهه القبائل وتجبره على التقهقر ليعود إلى جبال مران مرة أخرى يلملم جراحه لسنوات عديدة ثم يعاود الكرة مرة أخرى».
وكانت الصحيفة السعودية قد أوردت، امس الاول، خبراً مفاده أن «قبائل مذحج في منطقة المناسح وقيفه رداع في محافظة البيضاء في وسط اليمن أجمعت في لقاء على توحيد الصفوف ونصرة المظلومين الذين يتعرضون لهجمات العناصر الحوثية المدعومة من الخارج في محافظات مأرب والجوف»، مضيفة انه «في الاجتماع الموسع الذي حضره مشايخ وأعيان قبائل قيفه والرياشية والعرش وصباح وآل غنيم والحداء وانس وعنس والعساكر والعبدية وغيرها من القبائل التابعة لمذحج، تم الاتفاق على تشكيل حلف قبلي واسع يضم الجميع لمواجهة المد الحوثي الذي يهدد منطقة رداع خصوصا ومحافظتي ذمار والبيضاء عموما بعيدا عن أي جماعات أو أحزاب أو غيرها».
من جهة ثانية، طالب علي سالم البيض، آخر رؤساء دولة جنوب اليمن قبل الوحدة مع الشمال، مجلس الأمن بإجراء استفتاء بجنوب اليمن حول قبول الوحدة التي تمت بين الجانبين العام 1990 أو رفضها.
وقال سالم البيض، في رسالة مطولة، وجهها إلى مجلس الأمن، ونقلتها مواقع إخبارية يمنية، إنه «ينبغي خلق مناخ سياسي وأمني ملائم لإجراء استفتاء لشعب ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديموقراطية تحت إشراف الأمم المتحدة حول القبول بالوحدة أو رفضها».
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية