2024-04-27 01:16 ص

العين على "عين عرب"!!

2014-10-13
بقلم: الدكتور يحيى محمد ركاج *
تضم منطقة عين عرب مائة وستة وتسعين مدينة وقرية موزعين على ثلاث نواحي تعتبر ناحية مركز عين عرب أكبرهم من حيث عدد السكان، ويشكل سكان المنطقة بكاملها أقل من 1% من سكان سورية، وبعض قراها لا يتجاوز تعداد سكانها الخمسين نسمة فقط لا غير، وقد شاءت الأقدار أن تلعب دور البطولة الإعلامية التي تخدم أجندات وسياسات القوى الداعمة والممولة للإرهاب الداعشي، والمحاربة له الآن تحت ستار وهم التحالفات الدولية وزيف الحقوق العالمية للإنسان. فكانت عين العرب الحافظة للمروءة والكرامة، وأسطورة حقيقة في تجسيد معاني المواطنة السورية والانتماء، والتضحية التي كان أبطالها الرجال والنساء على حد سواء، فسقطت على أعتابها رهانات ومغامرات أردوغان المدفوعة الثمن المادي من ممولي الإرهاب الأعراب. لقد استطاع أردوغان خلال السنوات التي مضت من عمر الأحداث في سورية أن يتراقص مع الموت بين المطرقة والسندان باحترافية قذرة رغم التكلفة المرتفعة التي قام الشعب السوري بسداد ثمنها البشري، وشاركه بهذا الثمن البترودولار الخليجي الذي تكفل ببعض الأدوار الداعمة والممولة للحرب على سورية من النواحي التحريضية والمادية، خاصة دور صندوق المال ودكاكين توريد النفط، فقد خطط أردوغان للاستفادة من هذه الأحداث مادياً واقتصادياً وسياسياً، وكان الدمية الذكية التي تعرف متى تقف أمام المطرقة ومتى تبتعد عنها، خاصة بانخفاض هامش المخاطرة الاقتصادية لديه نتيجة التمويل الخليجي لخسائره، وتأجيره الأراضي التركية للقواعد الأمريكية وحلف النيتو، وقيام الإرهابيون الذين يسلكون الأراضي التركية بغطاء سياسي وعسكري منه بتدمير المصانع السورية وقطع الأشجار وحرق الأراضي الزراعية، واغتيال الأكاديميين والحرفيين الذين رفضوا مغادرة بيوتهم أو الأراضي السورية باتجاه تركيا وحلفائها الداعمين للإرهاب، يُضاف إلى ذلك أن قطاعه الصحي كان في طريقه للفشل قبل بدء الأحداث في سورية لكنه الآن يحقق نسباً مرتفعة جداً في مساهمته بالناتج المحلي الإجمالي نتيجة السداد الخليجي للفواتير مرتفعة القيمة المادية لعلاج المسلحين المصابين في المواجهات مع الجيش العربي السوري وأهل القرى السورية التي حاولوا اختراقها والاعتداء عليها، وهاهي شركات تصنيع الأسلحة التركية تنتعش من جديد بعد أن كانت قاب قوسن أو أدنى من الإفلاس والهاوية نتيجة تصنيع وتطوير بعض أنواع الأسلحة للإرهابيين الذين يحاربون في سورية، وهاهي المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون تقوم بشراء كل ما يلزمها من الخبز حتى دبوس الخياطة من الأسواق التركية نتيجة منع أي شكل من أشكال الحياة الطبيعية التي لا توافق هوى الخليفة العثماني. لقد قامت دول الخليج بدفع الفواتير المرتفعة لتمويل الحرب على سورية حتى وصلت أغلى الفواتير إلى حد التضحية بالعنصر البشري والأيدي العاملة الرخيصة التي يسرق الأعراب جهدها عندما منعوا استقدام السوريين أو حتى منح دعوات زيارة لهم للالتحاف بأقربائهم في فرصة ثمينة جداً للخليفة العثماني الواهم بالاستفادة من القوى الديموغرافية السورية من أجل المحافظة على نهضته الصناعية التي دعمته سابقاً الحكومة السورية بالحفاظ عليها كما استطاع أردوغان وحلفائه من خلال توجيه الإرهاب الداعشي إلى تأخير استثمار خط السيل الجنوبي للغاز الروسي وتهيئة الأجواء المحيطة لتنفيذ خط أنبوب جديد للغاز موازٍ لناباكو تكون فيه الدولة التركية وحلفائها المستفيد الأكبر، الأمر الذي يعتبر نظرياً هو النصر الأكبر لتركيا وحلفائها بعد سلسلة الهزائم المرحلية التي لحقت بهم في سورية. إلا أن مغامرات الخليفة العثماني الطائش تصطدم الآن بواقع عين عرب، فعلى ما يبدو أن اللعبة الأمرو- تركية لم تكتمل معه بالسيطرة على الجغرافيا السورية أو بإقرار مناطق عازلة تكون مبررأً للتواجد الأمريكي التركي بالجغرافيا السورية، فأصبح بين خيارات سيئة، فلا هو قادرُ أمام الرأي العام العالمي على مواجهة (داع ش) وهو من آواها وسهل مرور الإرهابيين إليها وكان سفير أمريكا لها من أجل الشرح العملي لأوامر الإرهاب الموجهة لها، ولا هو قادر على منع الأكراد الأتراك من نصرة أخوتهم السوريين بعين العرب، ولا هو قادر على السكوت على جرائم الإرهابيين الدواعش فيها بعد أن طالت أثارهم الاستقرار في تركيا، إلا إن كان يهدف إلى قتل الأكراد والقضاء عليهم نهائياً عبر زجهم -كما عملت بعض الدول بنفاياتها البشرية- في الحرب على سورية، وهو أمر لا يمكنه تحقيقه –على ما أعتقد- بعد الحراك الكردي في معظم دول العالم، خاصة أن اللاعب السوري في المرحلة الماضية أحسن ملاعبة الخليفة الورقي بالدمى بشكل جيد. لقد علق هذه المرة رأس الخليفة العثماني الورقي أردوغان بين رأس الإرهاب وسندان التفريط بالاستقرار والأمن التركيين، فما هو التعويض المادي الكفيل بإنقاذه هذه المرة أيضاً، ومن القادر على سداده؟ أم أن السيناريو الديموغرافي الذي برزت خطورته مع حراك الجاليات الكردية في أوروبا وتطورات التصعيد الانتخابي للاشتراكيين في السويد كفيل بتأجيل نهاية الخليفة الورقي أردوغان لمرحلة جديدة من الحرب على سورية، وهو ما يحتم على السوريين المبادرة لتغيير قواعد المواجهة هذه المرة بأنفسهم.
*باحث في السياسة والاقتصاد