2024-04-27 04:26 ص

الأزمة السورية ما بين مأزق داعش وهذيان أوباما!!

2014-12-02
كتب الدكتور خيام الزعبي*
قبل أسابيع من نهاية هذا العام، تبدو جَردة الحساب ضرورة مهمة، لتحديد بوصلة السنة المقبلة، مع ما تحمله من تحديات ومآلات، إذا كان الهدف من الأزمات التي أشعلها الغرب وحلفاؤه في المنطقة سرقة ونَهب ثروات ومقدرات هذه البلاد، عندها سيواصل الغرب في تسعيرِ النيران المشتعلة، على وقع الأصوليات الباحثة عن الحكم، بالقتل والدمار، وبرفض الآخر والقضاء على التعددية، إنطلاقاً من تجربة جزائر التسعينيات، ومصر الملتهبة والمشتعلة، وليبيا والسودان المجزأة، واليمن المتخبط والمضطرب، وصولاً إلى شلال الدم المستمر في سورية، مع ما يرافقه من ذبح وتنكيل وإضطهاد على أيدي جماعات دينية متطرفة توَد العودة بالتاريخ إلى ما قبل التاريخ، في إطار ذلك يمكن التساؤل ماذا عن سوريا؟ اليوم هناك تحركات متسارعة ومكثفة على أكثر من جبهة، وتصريحات عدة لمسؤولين دوليين وإقليميين، تشير في جملتها إلى أن المنطقة، على أبواب مرحلة جديدة، وأن مرحلة الصراعات والفوضى التي عمت المشرق العربي، في السنوات الأربع الماضية، قد إستنفذت غاياتها، وأننا نتجه نحن مرحلة التسويات، برغم من إن ليس هناك ما يؤكد رغبة أمريكا في حسم ملفات القضايا والمشكلات الإقليمية وغالباً ما تترك هذه الملفات مفتوحة تحمل من الإحتقانات ما يجعلها ومحيطها القريب في دائرة التوتر لكي تسهل لها عملية التدخل وصياغة مدخلات تشرف عليها السياسة الأمريكية. في سياق متصل إن التحرك الدولي للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية اقترح المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا إقامة "مناطق مجمدة"، يتم فيها تعليق السلاح، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، وأن تكون حلب هي المحطة الأولى في خطة تجميد السلاح، من جانب آخر، تمضي واشنطن في مشروعها دعم وتدريب وتسليح وتدريب معارضة معتدلة، وهي أوكلت لحلفائها في المنطقة، أمر إتمام هذه المهمة، تركيا أخذت على عاتقها تدريب تركمان وإخوان سورية، مع الإستمرار في تقديم كافة التسهيلات لداعش، في المقابل، تتولى دول خليجية تدريب جماعاتها من فصائل المعارضة الإسلامية، التي بالكاد نعرف عن أية فواصل بينها وبين النصرة أو داعش ودائماً تحت شعار "تدريب المعارضة المعتدلة لمحاربة داعش والنظام"، مع أن هذه المعارضة، لم تثبت حضوراً على أية جبهة من جبهات القتال، ليس في مواجهة النظام فحسب، بل وفي مواجهة داعش، وإذ تعتقد الولايات المتحدة بأنها ستفرغ من تدريب خمسة آلاف مقاتل "معتدل" قبل انتهاء العام 2015، يتولون مهمة دحر داعش وملء فراغها، قبل التفرغ لمقاتلة نظام الأسد، فنتائج هكذا إستراتيجية غير معروفة بيد أننا نعرف مقدماتها لن تقود أبداً لا إلى إستئصال داعش والإرهاب، ولا إلى إسقاط نظام الأسد، كوننا نعرف بإنها إستراتيجية إدارة أزمة وليس إستراتيجية حل لأزمات المنطقة. يبدو إن واشنطن قد أدركت أخيراً، أن محاربة الإرهاب بفعالية في المنطقة دون أخذ مواقف سورية بعين الإعتبار أمر مستحيل، غير انها تدرك أيضاً، إنها لا تملك خطة لتغيير معسكرها وتحالفاتها العربية والإقليمية والدولية في الوقت الراهن، ومن سوء حظ واشنطن انها تتعايش في حلفها مع دول وقوى تدعم الجهاديين بشتى الوسائل والسبل في سورية والعراق، وليس خافياً على أحد، أنّ مصدر التعقيد الأساسي في السلوك السياسي لواشنطن، تجاه دمشق، هو موقفها التاريخي من سورية وبخاصة بعد إندلاع الأزمة، حيث أعلنت واشنطن مراراً إن النظام السوري فاقد لكل شرعية ويجب عليه أن يرحل، غير إن مساعي واشنطن المباشرة أو بالوكالة، لم تنته الى النتائج المتوخاة منها، وفي مقدمتها إسقاط النظام، بل أكثر من ذلك فإن محاولات إيجاد بديل منه قابل للتنسيق مع المعارضة المعتدلة، قد باءت كلها بالفشل، كما تبين من خلال مصير مجلس الدوحة وائتلاف أنقرة والحكومة المؤقتة وواقع الجماعات المسلحة المناهضة للنظام والتي تنهزم أمام تقدم الجيش العربي السوري في مناطق إستراتيجية، أو تبتلعها القوى الأكثر تطرفاً خاصة تنظيم داعش وجبهة النصرة في مناطق أخرى، فضلاً عن رسوخ التحالف الدولي والإقليمي المساند لسورية "ايران وحزب الله وروسيا " رغم الدمار الهائل الذي أصاب سورية جراء تعرضها لعدوان منهجي شامل، تبيّن حجم التعقيدات التي تواجه الادارة الأميركية في سياستها العملية في المنطقة، وبخاصة مع إدراكها ان تلك القوى المناهضة لسياستها في المنطقة تزداد قوة وتلاحماً مقابل الإرتباك والتخبط الواضح في سياسات واشنطن والدول التي تدور في فلكها تجاه سورية، ومن هذا المنطلق أصبحت واشنطن تؤكد أن الحل في سورية لن يكون إلا سياسياً، الأمر تتم قراءته لدى البعض بأنه تحوّل مهم وأساسي في السياسة الأميركية والحقيقة، ان القول بأن الحل السياسي هو الوحيد الممكن ليس كافياً لتوصيف مواقف الأطراف المتصارعة في سورية، كون أن الخلاف الحقيقي هو حول مضمون الحل السياسي الذي اصبح عنوان ممارسة هذا الطرف او ذاك، ففي وقت تعتبر القوى المعادية لسورية، ان الحل السياسي يكمن في سقوط النظام السياسي فإن الحل السياسي بالنسبة للدولة السورية هو نبذ العنف والإرهاب، باعتباره التهديد والخطر المباشر لكل أطراف المشهد السياسي الراغبة في بناء الدولة الحديثة في سورية، وهذا يعني إن الحل السياسي يكون بترك الأمور لنتائج الحوار الوطني السوري السوري، كونه الوحيد الذي يؤدي الى تفويت الفرصة على من يستغل ويشعل الإختلافات بين أبناء الشعب السوري ويدق إسفين الفرقة بينهم وتعميقها لإقتناصهم واحداً تلو الآخر، ومن هنا فإن دمشق دولة لها أهمية إستراتيجية وهي الأقدر على تحجيم إرهاب داعش من جهة ومد يد العون للمقاومة من جهة أخرى وبالتالي فإن التحالف معها لهزيمة الإرهاب أمر في غاية الأهمية، وإذا صاحب تلك الجهود العمل على محاصرة الارهاب في سورية والدول المجاورة لها وإعادة الاستقرار إليها فإن تلك الجهود تصب في خانة المصلحة العليا لكل الأطراف حيث يساعد ذلك على تحجيم الإرهاب وضمان عدم تمدده وتجفيف منابعه وتقويض ملاذه وكسر الكماشة الغربية التي تحاول امريكا وحلفاؤها إبرامها حول الدولة السورية. في إطار ما سبق يمكنني القول يجب أن يدرك السوريون إن أمريكا وحلفائها لا يدافعون عن سورية إنما عن بلدانهم خوفاً من أن يصل اليهم خطر التنظيمات الإرهابية بدليل إن الضربات الجوية المتواضعة للتحالف الدولي ليس للقضاء على داعش وإنما لتحجيمه فقط والسماح له بخلق دولة حدودها هلامية تتمدد وتتقلص حسب الظروف المحيطة بها، وهي ما تسعى له أمريكا وحلفائها في الوقت الحاضر تحت مشروع الشرق الاوسط الكبير. وأخيراً أختم بالقول، هناك حقائق عدة تجعل المنهمكين في الصراع داخل سورية يدركون أن لا أحد منهم قادر على حسم الصراع لصالحه، والنتيجة أن قوى الإرهاب، من داعش وأخواتها تمكنت من استغلال هذه الظروف وأصبحت تشكل تهديداً حقيقياً للمنطقة، ولذلك لا بديل عن مصالحة تاريخية تعيد الاعتبار للوطن وتمنع تمزقه، ، مع ضرورة التحرر من أغلال الأحقاد السياسية، ومعالجة جروح الأزمات بإعادة الإعتبار لقيم الإنتماء والإخاء والتسامح والتلاحم الوطني وتجاوز خطاب الأزمة والفرقة في كل مسارات العمل السياسي. 
*صحفي وكاتب أكاديمي 
Khaym1979@yahoo.com