2024-05-09 01:29 ص

أربع ٌ عجاف...

2015-01-31
بقلم : محمد بكر*
لأن الثورة تواضعٌ واحترام ٌ لآراء ومواقف الآخرين وقبول ٌ لهم ,ولأنها ترسيخ ٌ لقيم الأصالة والإنسانية , ولأنها تختزن في كيانها كل معاني الاتحاد والتعاضد والإيثار ليسمو الوطن فيباهي العالم مرفوع الرأس بنتاج أبنائه . . لأن الثورة هي تكريس حقيقي للنضال في وجه الاحتلال لاتضيع بوصلةً ولاتحرف مساراً, ولأنها جزئية النور في حياة مظلمة فكان بدهياً ولزاماً أن لا تلد إلا الجمال, لأنها عنوان البناء وقبل أي شيء بناء الإنسان, وتعزيز انتمائه للأرض, تغذي جذوره فيها وتشد أواصره تجاهها فيكون لزاماً قدسياً عليه, أن يصونها ويحميها بنور عينيه , فتكون هذه الأرض الرقم الأول والأوحد في معادلة نضاله ويوميات ثورته . لأن الثورة كل ذلك وأكثر بكثير من ذلك , ولأن ماطفا على سطح مسرحنا العربي من أزمات وما تم تأديته من مشاهد قيل عنها ولايزال أنها ثورات لم تلامس أياً من ذلك الذي ذكرناه , وبمناسبة مرور أربع سنوات عجاف على ما سمي بالربيع العربي , لم تصطبغ شهورها وأيامها إلا بألوان القحط والجفاف, هي دعوةٌ نطلقها لتأجيج ثورات أخلاقية وإنسانية نبدأ فيها بأنفسنا, نثور على ما طفحت به سلوكياتنا من أخطاء , وما أضحى عليه زاد قلوبنا من سوادٍ وكراهيةٍ واستغلالٍ لبعضنا البعض، هي دعوة لمراجعة الذات, والوقوف مطولاً على ما أريد لنا وما غدا عليه واقعنا وأيامنا وحياتنا من سوء المآل, هذا المآل الذي رسمنا قسوته بأقلامنا وخططنا تفاصيله وحيثياته المقيتة بعيوبنا وسلبيات أعمالنا , مع إيماننا المطلق هنا بالكم الكبير من التشوهات والمؤامرات المصدرة لنا من الخارج, والتي حكيت تفاصيلها ووقائعها بالأيادي الصهيو – أمريكية , فالعدو هو ليس ذلك الآفة والطغيان والأمراض والموبقات التي تتمترس خلف حدودنا لاغتنام الفرصة المناسبة للانقضاض والنخر في موروثنا القيمي وبنيتنا الفكرية , ونسف عوامل الحياة لدى المجتمع المستهدف فحسب، إنما هو ذلك الشيطان الذي يتمترس أيضاً خلف عيوبنا وثغراتنا في الداخل, يبني عليها مشاريعه التدميرية, ويستغلها لتمرير مخططاته القذرة، وعليه فهي دعوة لجلد الذات , والتعلم من الدروس التي وقعنا في شرورها , تحتم علينا ولاسيما على أصحاب القرار لجهة غربلة حقيقية لمخرجات ماحدث ويحدث, تغدو معها الحلول الجذرية أمراً ضرورياً تنتهي وتصفى خلالها كل الأدوار المشبوهة , والأصوات النشاز , والأيادي السوداء التي تعبث في الداخل وتشكل مقترفاتها جسر عبور سلس لإرادات الخارج , هي دعوة ٌ للإسراع في وضع خاتمة ٍ مناسبة لمسلسل الفساد والفاسدين الذين لازالت تطفح ممارستهم بالانتهازية والثورية الزائفة والوطنية المشوهة, باسم الوطن ينادون وفي سوق العهر والنخاسة يبيعون ويشترون . أربع سنوات عجاف مرت، نجدد فيها الدعوات ونطلق الصيحات عالياً , لإنقاذ البوصلة وتصحيح المسار، فبناء القيم , وتعميق جذور الأجيال المتعاقبة على هذه الأرض بالصورة التي تقوي ارتباطها بالوطن, وتعزز إيمانها فيه وانتمائها له , هو جوهر البناء الحقيقي , وديدن الثورات الحقيقية في زمن ٍ بات مثخناً بالتشوهات والانحرافات والعجاف من السنوات. .
 * كاتب فلسطيني مقيم في سورية