2024-04-26 01:22 م

خط الدفاع الحديدي من موسكو إلى دمشق .. والمهاجم الأمريكي ؟!

2015-02-25
بقلم : الدكتور محمد بكر*
مجدداً وبذات الأسلوب وبنفس الوتيرة التي تتعالى فيها حدة اللهجة ويغدق منها سيل ٌ من الكلمات النارية, أطل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليوم الوطني للقوات المسلحة أو ما يعرف في روسيا بعيد حماة الوطن ليعلن وعلى الملأ أن أوهام التفوق العسكري على روسيا والضغط عليها هي أوهام عقيمة وأن أحداً لن يستطيع تحقيق ذلك , مردفاً أن القوات المسلحة الروسية ستواصل تعزيز قدراتها العسكرية لتحقيق التوازن العسكري العالمي. قيل أن ما دفع بوتين لرفع سقف الخطاب هو استشعاره لتهديد استراتيجي مصدره بالطبع واشنطن يرمي إلى تغيير " النظام " في روسيا من جهة, وتتكثف خلاله العقوبات الاقتصادية على موسكو من جهة أخرى , وهذا ما أشارت إليه وأكدته إيلينا سوبونينا مديرة مركز آسيا والشرق الأوسط في حديثها لقناة الميادين , فكيف تمكن لنا قراءة التصريحات الروسية الجديدة, وهل ثمة رابط ٌ بين ما بات يرسمه الروسي ومحوره من ملامح جديدة لشكل وطبيعة الصراع مع واشنطن وحلفائها وبين الاتفاق التركي – الأمريكي الأخير لتدريب وتسليح ما تسميه واشنطن معارضة معتدلة ؟ في المنتدى الدولي للاتصال الحكومي الذي استضافته دولة الإمارات العربية المتحدة في شباط من العام الماضي قال الرئيس الأسبق للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف " إن بوتين عمل بقوة لاسترجاع الدور الروسي الدولي , وحقق الكثير من الإنجازات في هذا المجال , وعليه الاستمرار بذات النهج " ما يدلل على مستوى الجهد المبذول من القيادة الروسية لاستعادة التوازن الدولي والتموضع الفاعل والمؤثر في اللعبة الدولية بما يرخي بمشاهده غير السارة على العين الأمريكية وبما يحد من سطوة اليد الأمريكية وبطشها واستعلائها على مدى عقود من الزمن , تلك المشاهد التي كانت كفيلة باستحضار مستويات قياسية من الهيستيريا والهيجان السياسي الأمريكي , فلم تكد تمضي أربع وعشرون ساعة على خطاب بوتين حتى سارع جون كيري ليعلن أن واشنطن وحلفائها يتباحثون في إمكانية فرض عقوبات جديدة على موسكو وإن سياسة الأخيرة غير مقبولة على الإطلاق , إذ لطالما أسقطت هذه السياسة الطموحات الأمريكية , وساهمت في تعطيل سيناريوهات التحشيد الأمريكية , ولاسيما في الساحة السورية , فالمتابع اليوم للتطورات الميدانية ولسير المعركة ضد تنظيم "داعش " التي يحقق فيها الجيش العربي السوري والمقاومات الشعبية تقدما ً واضحاً , يدرك مدى التراجع في المناطق التي كان ينتشر فيها إرهابيو التنظيم, وكذلك أيضاً فإن المراقب للساحة العراقية يتلمس مستوى التقهقر الحاصل في صفوف التنظيم الذي بات يتمايل باضطراب مضطرد تحت تأثير الضربات الموجهة له ,وهنا بالتحديد يمكن الحديث عن ارتدادات الميدان السوري ومفاعيله الكارثية على النفس الإسرائيلية, إذ أكد المدير الأسبق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي فلينت ليفيريت في 24 / 1/ 2015 وخلال مقابلة مع الميادين أن الدولة السورية تنتصر في الميدان والتقدم الذي يحققه الجيش السوري هو ما يولد الشؤم بالنسبة " لإسرائيل " ويقض مضاجعها , إضافة إلى ذلك فإن مخرجات السياسة الأمريكية وعلى مدى أربع سنوات في صياغتها وتصنيعها لأدواتها الإسلاموية في المنطقة لم ترق إلى " الجودة المطلوبة " لجهة تحقيق استنزاف مثالي لأقطاب جبهة المقاومة الامتداد السياسي لموسكو في معركتها السياسية ضد الهيمنة الأمريكية, ولاسيما القطب اللبناني المتمثل في المقاومة اللبنانية التي تجد فيها روسيا قوة فاعلة ورئيسة في المنطقة , إذ لم تعد تفاخر( أي المقاومة اللبنانية ) بقدراتها التسليحية ومخزونها من الأسلحة النوعية وحسب, بل باتت صاحبة اليد العليا في رسم خارطة جديدة للمواجهة مع الكيان الصهيوني لا تعنى فيها بأية قواعد اشتباك , فيما طرحت المقاومة الفلسطينية بدورها مؤخراً وعلى لسان القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف مشروعاً مقاوماً موحداً تتبلور فيه الإرادات وتتحد خلاله الرؤى واستراتيجيات المواجهة في بوتقة واحدة لتأمين إيلام مضاعف للعدو الصهيوني , ومن هنا وانطلاقاً من عاملين رئيسين قد أصبحا واقعاً غير محمود النتائج على الإطلاق بالنسبة للأمريكي والإسرائيلي , وهما " ترنح " الأداة المسماة داعش (ولو أن المظهر إعلامياً هو عكس ذلك ) , والأسلوب والتكتيك الجديد الذي باتت تشتغل عليه حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وهذا ما بدأ يتبدى قلقاً على مواقف قادة الاحتلال الإسرائيلي إذ أكد ليبرمان أن أخطر شيء يهدد "إسرائيل " هو تآكل قوة الردع , فيما أكد نتنياهو على صعوبة السنوات الأربعة القادمة وإن على إسرائيل مواجهة ثلاث جبهات في غزة والجولان ولبنان , وإن إيران تعزز جبهاتها على الحدود مع فلسطين المحتلة, انطلاقاً من كل ذلك نفهم ونقرأ توقيت الاتفاق التركي – الأمريكي كحلقة جديدة من مسلسل تصنيع السيناريوهات وكورقة سياسية يضغط من خلالها دولياً على روسيا وفي وقت تعود فيه المفاوضات النووية مع الإيراني إلى ذروة نشاطها , والأهم هو تعزيز نظرية المزيد من إغراق الساحة السورية بالمجاميع المسلحة في محاولة لتعزيز الإرهاب ومده بعوامل الحياة والبقاء , وبوصفه العلاج الناجع من وجهة النظر الإسرائيلية لتأمين " انشغال مثالي " للجيش السوري وحزب الله , إذا ما أقدمت " إسرائيل" على عدوان جديد من البوابة الأقل تسليحاً وهي بوابة غزة في محاولة لتحقيق انتصار سياسي يعيد جزء من الهيبة لقوة الردع الإسرائيلية في الداخل الإسرائيلي, ولاسيما أن المشروع الموحد الذي طرحه الضيف يعتمد في جوهره على عدم التهدئة في جبهة لبنان والجولان إذا ما اعتدى الإسرائيلي على جبهة غزة . من روسيا التي تعزز قدراتها العسكرية لرفد العقيدة العسكرية الدفاعية في مواجهة الناتو كما أعلن بوتين مؤخراً , إلى الدولة السورية وجيشها العربي السوري المستمر في إجهاض مفاعيل السيناريوهات الأمريكية وجديد أوراقها في الداخل السوري, إلى المقاومة اللبنانية التي بدأت بتغيير أنماط المواجهة والاستهداف, تستمر السياسة الدفاعية التي ينتهجها المحور الروسي من موسكو إلى دمشق, هذه السياسة وبالرغم من نجاحها في لجم كل ما هو جديد الأمريكي وحلفائه وفرملة محاولاته الهجومية لتحقيق أهدافه في مرمى خصومه , وبالرغم مما تطفح به من سلوكيات التحدي والرسائل شديدة اللهجة إلا أنها لن تثني في اعتقادنا المهاجم الأمريكي عن صياغة المزيد من سيناريوهات المواجهة والمحاولات الالتفافية بطرق مختلفة وأدوات جديدة , وعليه فإن طرح استراتيجيات مواجهة جديدة ورؤى مختلفة يجب أن يكون حاضراً في المرحلة القادمة وبما يؤسس لانطلاقة هجومية تدك المفكر والمدبر والمستفيد في عقر داره . 
 * كاتب سياسي فلسطيني مقيم في سورية