2024-04-26 04:16 ص

السيسي في موسكو .. أين مصر في لعبة المحاور

2015-08-31
بقلم:  الدكتور محمد بكر
ليست هذه المرة الأولى التي يزور فيها الرئيس السيسي موسكو , لكن هي الزيارة الأولى بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية , هذا الاتفاق الذي بات الحد السياسي الفاصل بين مرحلتين متباينتين تماماً , كل ما رُسم وماحيك وما تم تحضيره وتصنيعه للمنطقة فيما قبل, لن يكون على الإطلاق كما هو بعد هذا الاتفاق الذي أصبح بمنزلة الحجر الأساس لتدشين صروح التوافقات , والدواء السحري ( لانقشاع ظلال الحرب المشؤومة وإعادة الأمن والأمان) تماماً كما أعلن الرئيس روحاني أمام جمع لأهالي همدان , يبادر فيها الرئيس السيسي ربما للرد على جملة من الرسائل السياسية التي بعثتها موسكو خلال الفترات السابقة , سارع فيها بوتين لتقديم صورة بلاده وشكل العلاقة التي تربطها مع مصر على قاعدة " الصديق الوفي " , ولم يجد أي حرج في إرسال السفن الروسية إلى ميناء الإسكندرية لإجراء تدريبات مشتركة مع البحرية المصرية , ولم يبخل للحظة في تقديم معروض واسع من الأسلحة الروسية لتكون في متناول الجيش المصري , تدرك مصر جيداً أبعاد وماهية التحولات الحاصلة , كما تدرك موقعها الجيوسياسي الذي تُسمر باتجاهه كل العيون , حتى عين الإرهاب , وكرة النار التي بدأت تكبر في سيناء , إرهاب لا هامش فيه للمناورات السياسية وغض الطرف كرمى لعيون جهات بعينها , كذلك أدركت مصر أيضاً صورة وطبيعة الحاصل في الحرب السورية , وتلازم مشهدها مع تطورات الحاصل في سيناء , يأتي الاتفاق النووي ليكسر أي جمود وليؤسس لضرورة التعامل مع الأطراف المعنية بمكافحة الإرهاب , التي اكتوت بناره من جهة وخبرت تعقيدات المعركة معه من جهة أخرى , من هنا نقرأ ونفهم الحراك المصري الحاصل وتصريح الخارجية المصرية في وقت سابق أنها تدعم سورية في مواجهة الإرهاب , إضافة إلى ما أعلن عن توافق مصري روسي للانخراط في جبهة واسعة لمكافحة الإرهاب وبمشاركة سورية , والاتفاق أيضاً على الحل السياسي للأزمة السورية على أساس مقررات جنيف, لكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً في هذا السياق , ماهي المخرجات السياسية التي تسعى مصر للوصول إليها من خلال هذا الحراك , هل هي مخرجات لاستجماع الإرادات وتحشيد الجهود لمساعدة مصر فيما تتعرض له من إرهاب موجه وممنهج فقط ولاسيما في توقيت يقرأ فيه البعض التقارب العربي الروسي على أنه نتيجة فشل تحالف واشنطن في مواجهة داعش , أم تذهب تلك المخرجات بعيداً للتأسيس لتحول استراتيجي تحرف فيه أم الدنيا مسارها السياسي الذي بقيت تسلكه على مدى عقود, وذلك باتجاه المحور الروسي ومنظومته الدولية والإقليمية ؟ كثيرة ٌ هي المشاهد والأحداث التي تواردت ولاتزال على المسرح المصري لم تخلُ مطلقاً من محاولات أمريكية مستمرة ( ولاسيما في ظل سلسلة من التحولات التي شهدتها الساحة المصرية خلال فترة ما سمي بالربيع العربي ) , لإيغال الأيادي وتعزيز الحضور الأمريكي في الداخل المصري , إذ تدرك الولايات المتحدة الدور المحوري لمصر في لعبة الأمم , و إن تجيير قرار بحجم القرار السياسي لمصر ليصب في الصالح الأمريكي في المنطقة إنما هو من الأهمية الوازنة بمكان للضغط على الخصوم في ميادين الكباش والنزاع , من هنا نفهم ماتم إعلانه في لقاء بوتين – السيسي عن ضرورة بذل جهود مشتركة للتقليل من التأثير الخارجي في علاقة البلدين , اللافت خلال الفترة الماضية هو التماهي السياسي الإيجابي لمصر الجديدة " كما القديمة " مع التحركات الأمريكية , وصّف فيها الرئيس السيسي غير مرة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية بالاستراتيجية في حين اعتبرها وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمي أنها بمنزلة زواج شرعي , هذا السلوك المصري الذي انسحب أيضاً على العلاقة مع دول الخليج العربي على قاعدة التلازم الاستراتيجي بين الأمنين القوميين لمصر والخليج , تتالت فيها الزيارات السعودية خلال الفترة الماضية بشكل غير مسبوق ولتتوج بإعلان الجانبين عن أن كلا من مصر والسعودية هما جناحا الأمن القومي العربي في المنطقة , الأهم من ذلك وذاك العلاقة مع الكيان الصهيوني التي لاتزال (مصر السيسي) تعدها نتيجة لاتفاقية دولية , ولا ننسى الزيارة الأخيرة لوكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد وما أعلنه لجهة أن مصر وإسرائيل تتقاسمان وتتحدثان بلغة واحدة حيال التحديات المشتركة المتمثلة في داعش وإيران , وهنا بيت القصيد أي العلاقة بين مصر وإيران التي لا تزال تتشح بالبرودة وقسط من الجفاء السياسي , بل ويراد لها أمريكياً أن تكون كذلك, وعلى الرغم من محاولات إيران تفعيل تلك العلاقة إلا أن مصر وعلى لسان السيسي ترى أن العلاقة مع الجمهورية الإسلامية تتحدد بكليتها من البوابة الخليجية , وهذا بالتحديد مايشكل مبعثاً على التشويش على أي دور قومي لمصر في ظل الانتصار الواضح للسياسة الخليجية وتحجيم العلاقة مع إيران . الثابت أن مصر بموقعها الجيوسياسي الحساس , وما يحتكم له الاقتصاد المصري من ارتباطات وارتهانات " للعطاءات " الاقتصادية الأمريكية والحاجة للمال الخليجي , يجعل من مصر بلداً ذو خصوصية في المنطقة لجهة التعامل مع المتغيرات الدولية , والوقت الذي يحتاجه للوصول إلى تحولات استراتيجية في سلوكه ونهجه السياسي إذا ما قرر ذلك بالفعل , من هنا يمكن القول أن الحراك المصري باتجاه المسارات والطروحات الروسية ولاسيما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب , والتعامل مع المعروض السياسي الذي يحاول أن يقدمه الروسي لاستيلاد صيغ ومعادلات توافقية للمنطقة , إنما هو خطوة في الاتجاه الصحيح , ولو أن هذا الحراك قد يكون مرحلياً, جاء ربما نتيجة لما فرضته الوقائع الدولية من مشاهد لا يمكن إلا التعامل معها والانخراط في مساراتها . الثابت كذلك أن المحاولات الأمريكية لاختطاف الدور المصري ووضع كل العراقيل لدرء تناميه وعودة ثقله الوازن إلى الإقليم , , وإثارة مخاوف العرب من عدو وهمي يتمثل في الإيراني , بهدف تعميق الفجوة بين مصر وإيران , واستمرار استهداف المؤسسة العسكرية المصرية واستنزافها بالأدوات القاعدية والمجاميع المتطرفة , هي محاولات ستستمر ولن تعرف طريقها إلى الهدوء , وعليه فإن أي حراك المصري لتعزيز ثنائيات ( مصر – سورية , مصر – إيران , مصر- روسيا ) هو الحراك الوحيد الذي من الممكن أن يكون فاعلاً لمستوى التأسيس لاستيلاد جهود نوعية قادرة على سحق الإرهاب على الأراضي المصرية , ومحرضاً لمصر جديدة قومية , أمٌ للدنيا وبهية ُ العرب
 * كاتب فلسطيني مقيم في سورية
 mbkr83@hotmail.com