2024-04-26 05:56 ص

البطالة في فلسطين وخطورتها!!!

2016-05-01
بقلم: رامي الغف*
إن البطالة ذلك المارد المستبد الذي يفتك بشبابنا ورجالنا واطفالنا، وتسحق الكرامة والأمل، فتلك الأيدي الخفية التي تقتل الأمل والتفاؤل والطموح لدى شعبنا وتقتل العزة بالنفس وتذله في كل مكان وزومان، فهي أحد وأكبر المشكلات وأخطرها والتي تواجه مجتمعنا الفلسطيني اليوم وتعيق النماء والتطور والإزدهار والاستقرار والتنمية فيها، وذلك لآثارها السيئة على الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعمرانية والمالية، فتعطيل الشخص القادر على العمل المحتاج إليه، وإحساسه بأنه عالة على مجتمعه وليس إنسان لديه كيان وقادر على العطاء، وحرمانه من المشاركة يحط من قيمته، ويهدم أركان الثقة الإيجابية داخله، فلا أذل ولا أثقل على الذات من الفاقه والحاجة، وهو في قمة نشاطة وعنفوانه، وليس هناك أمر من العجز عن توفير ملتطلبات الحياة الأساسية العيش الكريم له ولعائلته، مما يلقي بانعكاساته السلبية على النفس فيصيبها بالكابة والتوتر والإحباط والعصبية المفرطة فيولد عللاً نفسية وأمراض كثيرة لا حصر لها ولا تعد ولا تحصى. إن السائر في شوارع وطرقات محافظات ومدن الوطن الفلسطيني، يرى ويشاهد في الميادين العامة والتقاطعات المرورية وبالقرب من الجامعات والمشافي، مناظرا مؤلمة خاصة وانت ترى اطفالا وشبابا يعملون في اعمال مقنعة ومغلفة بالبطالة وعندما تستفسر عن السبب يجيبوك في الحل ( نحن نسعى وراء لقمة العيش ). فالبعض من هولاء الاطفال هم من التاركين لمقاعد الدراسة وفي اغلب الاحيان تجدهم هم المعيل الوحيد لعوائلهم بسبب فقد معيلها اما بسبب الوت الطبيعي او الإستشهاد من الإحتلال الصهيوني او اسباب اخرى مثل المرض او دخول السجن والطلاق غير ذلك من اسباب اخرى، والبعض الاخر من هولاء الاطفال يكون السبب هو قلة الوارد الذي يأتي به المعيل او الاب لتلك العائلة فتضطر الى ان تجعل ابناءها يعملون من اجل المساعدة في توفير لقمة العيش التي تحتاجها العائلة وفي كثير من الاحيان حتى فتيات تلك العوائل تجدها تعمل كذلك من اجل لقمة العيش, واما الشباب العامل في البطالة المقنعة فحدث ولا حرج فأنك تسمع منهم قصص العجب العجاب فمنهم المتزوجين والذين لم يحصلوا على فرصة العمل في قطاعات ووزارات وهيئات ودوائر ومؤسسات الحكومة ولا حتى في القطاعات والبنوك والشركات الخاصة بسبب الواسطات والمحسوبيات والرشاوى والفساد المالي والإداري لكي تحصل على فرصة العمل. وهنا لا نبالغ عندما نتحدث عن هذه الكارثة المسماه بالبطالة، حيث يعاني وطننا سواء بين فئة الشباب القادرين عن العمل أو بين الخريجين الجامعيين بخاصة بعد الإنقسام، فالبطالة بين الشباب المتعلم هي الظاهرة الأشد إيلاما في مجتمعنا الفلسطيني، فالشخص الحاصل على شهادة اكاديمية بكل مراحلها وعناوينها لم تأتي إلا بجهدٍ جهيد، وحينما تتوقف الخبرات في عقول هذه الفئة من الكفاءات دون استغلالها فانها تؤثر على العوامل النفسية لدى الشباب ولربما تحدث كوارث خطيرة كما حصل قبل ايام من حالات انتحار بسبب الفقر وتراكم الديون ونتمنى ان لا تتكرر هذه الحالة. لا يوجد شيء أثقل على النفس من تجرع مرارة الحاجة والعوز المادي فهي تنال من كرامة الإنسان ومن نظرته لنفسه وعلى الخصوص عندما يكون الفرد مسؤولاً عن أسرة تعول عليه في تأمين احتياجاتها المعيشية، فعندما تشخص إليك أبصار الأطفال في المطالبة بمستلزمات العيش وترى في نظراتهم البريئة استفسارات كثيرة يقف المرء عاجزا لا يدري كيف يرد عليها وبأي منطق يقنعهم بقبول واقعهم المرير، كيف تشرح لهم أن رب الأسرة عاطل لا عمل لديه ولا يقدر على الاستجابة لرغباتهم والجوع كافر كما هو معروف. كما ان للبطالة جوانب وسلبيات وخيمة واشد خطورة مما يتوقع المراقبون لهذه الحالة، فانها تؤثر على الجانب الامني والاجتماعي، فالشباب العاطل عن العمل ممكن ان ينحرف ويتدنى الى المستوى اللااخلاقي او تستغله بعض الجهات الإجرامية والعصابات التي تدفع الاموال الاغرائية وبذلك يكون قد خسرنا شبابنا وانحراف مجتمعنا. وقد ازدادت في الاونة الاخيرة حدة البطالة في فلسطين ويعتقد بعض الخبراء الاقتصاديون أن التقديرات الإحصائية التي يصدرها الجهاز المركزي للإحصاء لا تعبر بالضرورة عن الواقع الموجود فعلا، فإن عدم وجود إحصائيات ثابتة في فلسطين للاعتماد عليها هذا يعني انه ليس بالإمكان معرفة المعدلات الحقيقية للبطالة، خاصة وأن تقدير البطالة متباين من مؤسسة الى اخرى، لذلك لا يمكننا حل المشكلة الخطيرة والسيطرة عليها وتجاهلها، وهذا هو السبب الرئيسي في ازدياد النسبة من سنة الى اخرى. وهنا يحذر الكثير من المهتمين والمراقبين للشأن الاقتصادي من مخاطر البطالة وخطرها المتفاقم وآثاره على الشخص بالدرجة الأولى، وعلى المجتمع بدرجة ثانية، وضرورة اتخاذ خطوات عاجلة وسريعة وحقيقة في هذا الشأن، وأن تعمل الدولة على إحلال العدالة الاجتماعية وتوزيع الوظائف بصورة عادلة بعيداً عن المحسوبية والمنسوبية ومحاربة الفساد بكل أشكاله، واعتماد استراتيجية واضحة في تشغيل العاطلين. وأعتقد أن الكلام يطول حول موضوع البطالة فمتى نجد من حكوماتنا حلولاً سريعة وناجعة لمشكلة البطالة المزمنة في وطننا فلسطين. أخر الكلام: إذا ما أرادت الحكومة وإذا ما أراد الشعب إن يساهموا في التطور والنجاح، عليهم أولا أن يشخصوا نقاط الخلل.
*إعلامي وباحث سياسي