2024-04-26 08:38 ص

مزاد على المصير الفلسطيني

2016-05-30
بقلم : حماد صبح
حال المشهد الفلسطيني يؤكد أن مصير الشعب الفلسطيني في مزاد حقيقي تتعدد فيه وجوه المزايدين الذين لا يعنيهم هذا المصير في شيء . كل مزايد لا تهمه إلا مصلحته مهما كانت مناقضة معارضة للقدر الأدنى من مصلحة الشعب الفلسطيني ومصيره . مبادرة فرنسية ترحب بها السلطة وترفضها إسرائيل ، وتنوي فرنسا عقد مؤتمر لما سمي مجموعة الدعم الدولي في 3 يونيو / حزيران في باريس ، ستحضره 26 دولة بينها مصر والمغرب والأردن والسعودية وأمين عام الجامعة العربية ، ومبادرة خليجية بقيادة سعودية لتخفيض سقف المبادرة العربية في مسألتي اللاجئين والجولان عسى أن تقبلها إسرائيل التي ترفضها منذ 14 عاما ، ومبادرة أو عرض مصري للتوسط بين الفلسطينيين وإسرائيل ، ويوصف العرض المصري بأنه يرادف المبادرة الفرنسية ولا يخالفها ، ومع ذلك رحبت به إسرائيل لغرض في نفسها ، وحديث عن عودة الخيار الأردني في شكل اتحاد كونفدرالي بين دولتين ، أو إعادة الوحدة بين الضفتين إلى ما كانت عليه الحال قبل أغسطس / آب 1988 حين أعلن الملك حسين فك الارتباط مع الضفة الغربية ، وقيل دائما إن الفك كان إداريا لا دستوريا ، أي أن الوحدة بقيت بين الضفتين ، ويؤكد هذا البقاء الواقع اليومي للعلاقة بينهما ، وحديث عن تحرك إماراتي أردني مصري تتخفى وراءه إسرائيل للتعجيل باستخلاف أبي مازن الذي يرون أن شمسه في غروبها عمرا وسياسة . ويحدث كل ما سبق في غياب كلي للشعب الفلسطيني . وحتى السلطة يقال إنها فوجئت بالعرض المصري ، وإنها في خلافات مع الأردن حول أمور كثيرة هدد بسببها الأردن بمعاملة أهل الضفة مثل معاملة مصر لأهل غزة ؛ في ما يتعلق بالحركة بين الضفتين . ورعب كبير وقلق مصيري أن تسمع السلطة أن الإمارات ومصر والأردن تتحرك لاستخلاف عباس بشخص على هوى الدول الثلاث وهوى إسرائيل . من أوصل الشعب الفلسطيني إلى هذه الحال ؟ كيف أقحم في هذا المزاد الهابط اللامبالي بمصيره وبأعدل قضية وطنية وإنسانية ؟ وكيف لإنسان ، أي إنسان ، أن يصدق في هذا المزاد قول رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني إن مصر " كل همها إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني " ، وقول رئيس مصر في لقائه مع أبي مازن إن القضية الفلسطينية قضية مصر الأولى ؟ من أين تأتي المصداقية للقولين ومصر تصنع 90 %من محاصرة غزة وخنقها ، وتتشدد في فظاظة طاغية وهوس مستهتر لوأد أي ثغرة في دائرة المحاصرة الخانقة ؟ من أوصل الشعب الفلسطيني إلى هذا التردي الشامل ؟ التخلي العربي الرسمي عن فلسطين وخذلان شعبها ليس جديدا إلا أن أقسى اللوم ينصب على الفلسطينيين . منذ أوسلو والقضية الفلسطينية تهوي في انحدار حتى اقتحمت الانهيار الذي نشهده الآن ، ويجسده المزاد الحالي . ابتداء بأوسلو توالى الضعف والتفتت الفلسطيني على خلاف ما كان متوقعا أو مأمولا . وضح من بداية إقامة السلطة أن الذين عادوا من الخارج لم يعوا أنهم في وضع يخالف ما ألفوه . قبل العودة كانوا فصائل مهما اختلفت فإن اختلافها لا ينتقل بسلبياته إلى واقع ذي تعقيدات مجتمعية مثلما هي الحال في الضفة وغزة . كانوا في الخارج يحلون مشكلاتهم بالمحاصصة وفق حجم كل فصيل ، وتمضي حالهم بكيفية أو أخرى . وعندما طرح الأمر على أبي عمار تساءل : " تريدونني أن أتغير بعد الستين ؟! " . وعندما سئل عن استعانته بفاسدين رد بأنه لا يعبر مستنقعا ببدلة نظيفة ، وفاته أنه في مجتمع لا في مستنقع ، وأن أي فساد يظهر فورا وبقوة . وتآلفا مع كيفيات الخارج في إدارة أمور الداخل رأيناه ، أبا عمار ، يجيب مراسل فضائية عربية سأله عما انتهى إليه التحقيق في اختفاء 330 مليون دولار من أموال السلطة ؛ بأن المسألة بسيطة ، فاندهش المراسل ، وربت على ركبته مستهجنا : " يا بيه ! يا بيه ! 330 مليون دولار حاجة بسيطة ؟! " . وتواصل سوء الحال في الضفة وغزة ، وفقد الأمن الاجتماعي ، وصارت العائلات تقتتل في المستشفيات والمدارس مراكز الشرطة ، وعندما اشتكى الناس إلى مدير الشرطة غازي الجبالي من انهيار الأمن أجابهم بأن القبور كثيرة والمستشفيات كثيرة . وختمت الفوضى ، والخلافات بين حماس والسلطة أو فتح بأحداث 14 يوليو / تموز 2007 التي سميت انقساما ، وتحيط بها شكوك كثيرة تؤكد أن وراءها جهات ونيات مخططة أبعد من الخلاف بين حماس والسلطة الفتحاوية التكوين . ووالت القضية انحدارها وانهيارها بعد سنوات الانقسام حتى هزلت وسامها كل مفلس مثلما نراها في المزاد الحالي . لوكان الفلسطينيون قلبا واحدا ، مثلما يوجب عظم قضيتهم وعظم ما تواجهه من أخطار ، لما استهان أحد بهم وبها . ومن لم يكن لنفسه لن يكون لها غيره ، وشعب قاتل عن حقه في بطولة ، وضحى بآلاف الشهداء والجرحى ، وابتلي الآلاف منه بمآسي سجون إسرائيل التي تذيب أرواحهم وأعمارهم ؛ مفجع ومرعب للقلب أن يؤول مصيره إلى هذا المزاد المأساوي .