2024-04-26 06:01 م

التهافت نحو التطبيع وتكريس "السلام الاقتصادي" والانقسام، هل أصبح "حل الدولتين" يعني "دولة" في غزة و "دولة" في الضفة الغربية؟

2016-08-19
كتب الدكتور بهيج سكاكيني
من الواضح أن بعض الدول الاقليمية والخليجية والتي تضم تركيا والسعودية وقطر والامارات تتخذ من الشعب الفلسطيني ومعاناته اليومية من الاحتلال الصهيوني مدخلا للتطبيع مع الكيان الصهيوني مدعية أنها تعمل لصالح الشعب الفلسطيني وأنها تعمل جاهدة لرفع معاناته اليومية وخاصة الاقتصادية منها، مع الادعاء الكاذب أن ما تفعله لا يشكل تطبيعا أو اعترافا مجانيا "بإسرائيل" على الرغم من أن كل المعطيات والوقائع على الساحة تدل على ذلك بشكل واضح وفاضح وصريح. ونحن لسنا بصدد العودة الى الوراء كثيرا للتدليل على مدى انخراط بعض الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية في التصدي للدول الوطنية والتآمر على القضايا العربية والهوية القومية ولكننا نود ان نشير الى حادثتين تم في كلاهما زيارتين لوفد سعودي يترأسه الجنرال المتقاعد أنور عشقي مع وفد ضم رجال أعمال وأكاديميين سعوديين، والاخرى هي الزيارة الحديثة لوفد قطري مكون من ثلاثة شخصيات برئاسة السفير القطري السيد محمد العمادي المسؤول عن متابعة المنحة القطرية لإعادة الاعمار في قطاغ غزة للدمار الذي أحدثته سلسلة من الاعتداءات للجيش الإسرائيلي المتكررة على قطاع غزة التي أدت الى تدمير مريع في بناه التحتية وتدمير الالاف من الوحدات السكنية بحيث أصبحت عشرات الالاف من العائلات يسكنون الخيم أو الكرفنات. الجنرال أنور عشقي ضابط المخابرات السعودية السابق أنكر انه جاء لزيارة "إسرائيل" والاجتماع بقياداتها السياسية وان ما أثير في الصحافة الإسرائيلية كذب أو مبالغ فيه ويصرح انه اتى لمواساة عائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. العائلات الفلسطينية لا تبحث عن مواساة بشهدائها بل هي فخورة باستشهاد ابناءها والنسوة تطلق الزغاريد للشهداء ويوم الاستشهاد يعتبر يوم فرحة. أما الاسرى الفلسطينيون الذين يقاومون الاحتلال باللحم الحي والامعاء الخاوية فهم بغنى عن هذا النفاق ويرفضون استخدامهم كجسر للعبور الى التطبيع المباشر والعلني كوسيلة على طريق تصفية القضية من قبل رأس الرجعيات العربية التي قامت بإرسالك الى عقر دار العدو الصهيوني انت والوفد المرافق من الرياض بالإضافة الى البعض من الفلسطينيين الذين ارتضوا مرافقتك للاجتماع مع قيادات من الطبقة السياسية في الكيان الصهيوني من أجل حفنة من الدولارات ولتضفي على زيارتك "شرعية" ذات نكهة فلسطينية. وجاءت الزيارة الأخيرة للجنرال لتتوج عدة لقاءات سرية وعلنية مع مسؤولين إسرائيليين في لندن وواشنطن ونيويورك. أما زيارة السفير القطري السيد محمد العمادي للقطاع تأتي بعد الاجتماع بالمسؤولين الإسرائيليين في القدس الشرقية التي احتلت عام 1967 والتي أعلنت إسرائيل ضمها واعتبارها جزء من فلسطين التي اغتصبت عام 1948 وعلى أن القدس الموحدة ستبقى العاصمة لدولة الكيان الصهيوني. وبمجرد اجتماعه في هذا الجزء المحتل من القدس هو القبول بالواقع الذي أوجده الاحتلال وإعطاء نوع من "الشرعية" العربية لضم هذا الجزء الى دولة الكيان الصهيوني والدخول في عملية تطبيع مباشر بامتياز. أما بالنسبة للسماح لدولة قطر بتقديم المعونات لقطاع غزة والاشراف على صرف هذه المعونات من خلال تواجد وفد قطري في القطاع فان إسرائيل تسعى الى تحقيق أهداف ومكاسب سياسية من وراء ذلك وخاصة ضمن النظام الصارم الذي تفرضه على دخول اية معونات الى القطاع وفرض قيود على التحويلات المالية عن طريق البنوك لأي مشروع انمائي أو لجمعيات تقوم بتقديم مساعدات للعائلات المحتاجة. وتجدر الإشارة هنا الى أن العديد من المحللين ورجال الاستخبارات الإسرائيليين قد توصلوا الى استنتاج مفاده أن الوضع في غزة بات على درجة كبيرة من الخطورة وينذر بالانفجار إذا لم يتم تدارك الوضع الاقتصادي المزري في القطاع والذي وصل الى حدود متدنية وربما غير مسبوقة. ومن هنا نرى ان تقديم المعونات يأتي ضمن هذا الوضع الاقتصادي المتردي وخاصة في الفترة التي يتم فيها تخفيض الخدمات التي تقدمها الاونروا الى العائلات المحتاجة في القطاع. ولا يحتاج المرء الى كثير من العناء ان يستخلص أن ما تسعى اليه إسرائيل عن طريق قطر "والمعونات" الى تحقيق المعادلة "تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية مقابل الهدوء على جبهة غزة" حتى تنعم المستوطنات بالأمن والأمان الى أجل غير مسمى. ليس هذا فحسب بل أنها تسعى أيضا لوضع حماس التي تمسك بزمام الأمور في غزة في عملية مجابهة مع بقية الفصائل. نحن لا نقترح أن هذا ما سيحدث بالفعل ولكن من المؤكد ان هذا ما تسعى له دولة الاحتلال وقطر معا. تحسين الوضع الاقتصادي في غزة إذا ما تم والذي يبدو أن كل من تركيا وقطر لديهم النية في ذلك لغرض في نفس يعقوب سيكون تحت العيون الإسرائيلية التي ستبقي اليد العليا في أي تحرك. نقول إذا ما تم هذا فان ذلك يعني أن العالم الخارجي سيغض النظر عن سلطات الاحتلال وسيخفف الى حد كبير من الانتقادات العالمية الموجهة للكيان المحتل والدعوات الى مقاطعته. "السلام الاقتصادي" الذي طرحه سابقا نتنياهو على الفلسطينيين يهدف الى إبقاء الاحتلال ولكن بشكل مقنع وهذا يمكن تسويقه "للمجتمع الدولي". تركيا وبعد إعادة علاقاتها (الكذبة الكبرى فالعلاقات الاستراتيجية لم تنقطع) مع إسرائيل بدأت بإرسال البضائع التركية الى قطاع غزة وهنالك أحاديث عن احتمال تزويد القطاع بالكهرباء من محطات توليد على سفن تركية ترسو على الشواطئ مقابل القطاع، كما يدور الحديث عن إقامة ميناء عائم من قبل تركيا على شاطئ القطاع بحيث يكون المتنفس للقطاع نحو العالم الخارجي. مصلحة قطر وتركيا لا تنحصر فقط في تحقيق بعض المكاسب السياسية بتقديم أنفسهم على انهم لاعبين أساسيين على الساحة الإقليمية بل أن الامر قد يتعدى ذلك الى مصالح اقتصادية وخاصة فيما يتعلق بالغاز الطبيعي الذي اكتشف في المياه الإقليمية على شواطئ غزة. ومن المتوقع ان تقوم بعض الشركات القطرية والتركية في الاستثمار بهذا المجال ومن غير المستبعد ربط شبكات الغاز في حالة استخراجه مع الشبكات الإسرائيلية لإيصاله الى تركيا وإعادة تصديره عبر الموانىء التركية. من الواضح أن هنالك تهافت وهرولة وتسابق من الدول الخليجية لإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني بعد ان قاموا بحرف الصراع الرئيس في المنطقة وأصبحت إيران هي العدوة وليس هذا الكيان الغاصب، وهي اليوم تبدي استعدادها أكثر من أي وقت مضى للتطبيع العلني والمجاني مع هذا الكيان. وهي عازمة على الانقضاض على القضية الفلسطينية وتصفيتها ان تمكنت ذلك وللأسف فان هنالك بعض الأطراف الفلسطينية التي تبدي استعدادها للانخراط ضمن هذا المشروع المدمر وهي لا ترى ضررا في هذه الهرولة والتطبيع مع الكيان الصهيوني تحت ذريعة ان هذا قد يخدم القضية الفلسطينية وهذه مصيبة كبرى بكل المقاييس. ان التأكيد والتركيز على قطاع غزة من قبل قطر وتركيا وخاصة بعد الفشل الذريع الذي أصاب مشروع الإسلام السياسي في المنطقة قد لا يبشر بالخير وان تراءى للبعض ان الامر يقتصر على المساعدة وبالتالي لا غبار على ذلك. ان هذه المساعدات والتنسيق مع دولة الاحتلال يحمل في ثناياه بوادر الإبقاء على حالة الانقسام في المجتمع الفلسطيني على المستوى السياسي والجغرافي بحيث قد نبقي على تواجد كيانين أحدهما في الضفة والأخر في غزة، لان هذا الانقسام المزمن والخلافات بين تنظيمي فتح وحماس هو الكفيل بإبقاء حالة الضعف في الساحة الفلسطينية وتسهيل تمرير المشاريع التصفوية من قبل الرجعيات العربية. ما تفعله قطر أو تركيا أو السعودية في فلسطين المحتلة من عمليات التطبيع العلني ومحاولة إعطاء الانطباع على أنهم انما يقدمون الخدمة والمعونة والدعم للشعب الفلسطيني عن هذا الطريق، يجب ان ينظر اليه في السياق العام للسياسات التي اتبعتها وما زالت تتبعها هذه الدول في الإقليم سواء في مصر أو اليمن أو ليبيا أو سوريا أو العراق. حيث عملت هذه الدول وما زالت تعمل على تدمير الدول العلمانية الوطنية ومقدراتها وتتآمر عليها وتعمل ضمن المنظومة الاستراتيجية الامريكية الإقليمية التي تسعى للهيمنة المطلقة على المنطقة برمتها والسيطرة على مصادر الطاقة والتحكم بطرق امدادها وأسعارها العالمية الى جانب ضمان أمن وتفوق الكيان الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية. وربما هذا ما جعل الفصائل الفلسطينية اليسارية الخمس من مقاطعة حفل العشاء الذي أقامه السفير القطري في قطاع غزة لأنهم مدركون أن القضية والدور القطري يتعدى بكثير قضية المساهمة في اعمار ما دمرته الالة الحربية الإسرائيلية على مدى سنوات من العدوان الذي لم ينقطع عقود من الاحتلال. ونحن نتساءل بدورنا هنا لماذا لا توكل لجنة فلسطينية تكون من ضمن شخصيات معروفة بوطنيتها ونزاهتها ونظافة أيديها وعدم تحيزها وشفافيتها لتشرف على برنامج إعادة الاعمار؟ من المؤكد ان الفصائل الفلسطينية والشخصيات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني كفيلة بتكوين مثل هذه اللجنة. ما نريده في المرحلة الحالية في مجال إعادة الاعمار هو العمل على مستوى الاقليم والمحافل الدولية على الأقل لرفع الحصار الخانق وضمان عدم هدم ما يبنى من مناطق سكنية وقصف البنى تحتية وتدميرها أو التحكم بتزويد القطاع بالطاقة، وهو ما تعودنا عليه وخاصة في قطاع غزة المحتل. الداء والسرطان هو الاحتلال الذي يجب اجتثاثه واستئصاله من جذوره. وما نرجوه من كل من يريدون العمل لمصلحة الشعب الفلسطيني أن يعملوا كل ضمن امكانياته وقدراته على دحر الاحتلال ومساعد الشعب الفلسطيني في نضاله على كل الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية والمعونات الغير مشروطة.