2024-04-26 10:24 ص

حلب: إكتمل السوار، وفتحت أبواب النار.

2016-08-20
بقلم: سمير الفزاع
منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط ومستشار نائب الرئيس الأمريكي "روبرت مالي"، في مقابلة مع مجلة "فورين بوليسي" قبل أيام، قال: أمريكا مستعدة لعمل كل ما بوسعها لكي لا ينجح النظام السوري... وسواء إن كان هناك اختلاف بين ما هو على لسان موسكو، وما يجول في ذهنها... فنحن لا نفقد شيئاً... سنواصل تقديم الدعم للمعارضة السورية، والنظام لن ينتصر... حينها لن تعود هناك أي آفاق لإنهاء الصراع قريباً"... تلك هي المعادلة الأمريكية التي حاولت إخفائها طوال الوقت، وهذه هي حقيقة الموقف الأمريكي الذي طالما كرره وزير خارجيّة آل سعود "الجبير"، وأعتقد البعض بأنه يغرد خارج السرب الأمريكي، أو أنّه نوع من العبثيّة السياسية. ما هي "المناورة الكبرى" التي دفعت موسكو للإستعجال بإستخدام القاذفات الروسيّة الإستراتيجية "تو-22-إم3"، والطائرات القاذفة "سو-34" عبر قاعدة "همدان" الإيرانية؟ وما هي المبررات الميدانية المباشرة لهذه النقلة المذهلة؟. سؤالان سأحاول تقديم بعض الأجوبة عنهما بإختصار. * لماذا الآن؟ سأذكر بثلاثة أسباب أرجو التمعن فيها جيداً: 1- عقدت واشنطن مع موسكو تفاهماً لمنحها المزيد من الوقت لفصل "المعارضة المعتدلة" عن النصرة، وإقناع "حلفائها" بأهميّة دفع تلك الفصائل للإنخراط في مسار جنيف... وتقوم موسكو بإقناع حلفائها في سورية وإيران بالتقدم نحو الرقة ودير الزور... ترددت الحكومة السورية في قبول هذا الإتفاق. بسرعة تقدمت وحدات كرديّة بدعم أمريكي مباشر نحو الريف الشمالي للرقة "تمهيداً" لدخولها... إضطرت القيادة السورية لتسيير حملة عسكريّة نحو الرقة خوفا من تكرار سيناريو "التسليم والإستلام" بين واشنطن وداعش في المدينة، ما سيشكل خطوة كبرى نحو مشروع تقسيم سوريّة... ليظهر هدف واشنطن الحقيقي من هذه المناورة، حيث إنحرفت القوات الكرديّة فجأة نحو منبج، وأدارت واشنطن وأدواتها الإقليمية والإرهابية في سورية، هجوماً واسعاً نحو ريف حلب الغربي والجنوبي، إشتركت فيه "المعارضة المعتدلة" مع النصرة وداعش جبناً إلى جنب. وتلك كانت الخديعة السياسية-الميدانية الأهم، بعد أن وفرت لها مصيدة "هدنة شباط" كافة مستلزمات النجاح... وهذا الدافع الأهم لإجتماع وزراء دفاع سورية وإيران وروسيا في طهران قبل شهر تقريبا، وفيه بدأ التحول الجذري في الموقف الروسي، والإتفاق على ما نراه اليوم. 2- بالرغم من إشتراك واشنطن في محاولة الإنقلاب الفاشلة في تركيا، وهو ما أكده مؤخراً المرشح للرئاسة الأميركية "ترامب"، و"بريجينسكي" المستشار الأسبق للأمن القومي الأمريكي، إلا أن أردوغان تفاهم مع واشنطن مجدداً على تنفيذ هدفها من وراء الإنقلاب، إحتلال حلب، مع بعض التحفظات، مقابل إطلاق يده في الداخل التركي. وقع الإنقلاب بسبب تخوّف أردوغان من المخاطر التي يستجلبها إشتراكه بالخطة الأمريكية التالية، وبإختصار: تتقدم قوة قوامها 15 ألف إرهابي من "جيش الفتح" مدعومة بوحدات خاصة من داعش -3000 إرهابي- عبر محور "الكليات" وأجزاء من حي الراموسة إلى أحياء حلب الشرقية، لتحرير ألآف الإرهابيين من الحصار المطبق، ولينفذوا معاً هجوماً واسعاً نحو أحياء حلب الغربية... ويتدخل الجيش التركي، كقوة لـ"حماية" المدنيين من حرب إبادة، بحجة تحول سورية إلى "دولة فاشلة" عاجزة عن حماية مواطنيها، فتسقط المدينة، ومعها كامل شمال سورية وشرقها في قبضة واشنطن... . واشنطن، محشورة بالوقت بسبب "طقوس" الإنتخابات الرئاسيّة، وتردي حال أدواتها بعد إغلاق معبر "الكاستيلو"... فأضطرت إلى تنُفيذ الخطة الجاهزة، وإن كان الجيش التركي خارجها، بعد الإنقلاب الذي هشّم هياكله ومعنوياته... فشلت الخطة الأميركيّة، وبدأت سورية وحلفائها بسحق أدواتها في الكليات بعد تحويلها إلى بقعة تقتيل... لكن التركي ما زال يدفع بالإرهابيين إلى سورية، وداعش التي هاجمت محور مطار كويرس، والإنفصاليون الذين يهاجمون مواقع للجيش العربي السوري في الحسكه... يخدمون معركة أمريكية لم تنتهي بعد. 3- عندما قال المرشح للرئاسة الأميركيّة "ترامب"، بأنه يخشى من تزوير الإنتخابات لصالح منافسته "هيلاري"، ردّ أوباما بأن هذا الكلام سخيف... لكنّ أموراً مثل، رفض وزارة "العدل" الأميركية التحقيق بمعاملات مالية "مريبة" للمرشحة كلينتون، وفضيحة التآمر على المرشح المنافس لها في الحزب الديمقراطي، "بيرني ساندرز"، والخوف من تكرر مهزلة بوش الصغير-آل غور... عندما تاهت خمسة صناديق إقتراع لثلاثة أيام عن مركز الفرز الذي لا يبعد سوى 60 كم في ولاية يحكمها "جيب بوش" شقيق المرشح بوش... يجب أخذها بالحسبان، عندما يظهر بأن "الدولة العميقة" في أميركا تدعم مرشح ما... ومعروف عن "هيلاري" دمويتها الغريبة، وعدوانيتها تجاه روسيا وسورية وإيران... لذلك، يجب العمل وبقوة، على فرض وقائع في الميدان غير قابلة للتعديل، هذا ما يجري الآن، وما سيتعاظم ويتوسع كماً وكيفاً في الأيام القليلة القادمة. * أسباب ميدانية مباشرة، سأكتفي بذكر ثلاثة منها: 1- صحيفة "فزغلياد" الروسيّة الإلكترونية أكدت أن السبب الرئيس وراء نشر القاذفات الإستراتيجية الروسية في إيران يكمن في سعي موسكو لإخفاء تحركات طائراتها عن "جواسيس" يعملون لصالح الإرهابيين. يستخدم المسلحون باستمرار طرقا جديدة لتجنب استهدافهم بالغارات الجوية، ولذلك بدؤوا قبل أشهر باعتماد تكتيك جديد، إذ ينتقل المسلحون بمجموعات صغيرة مموهة، وفي معظم الحالات ليلا، بالإضافة إلى الإختباء في ملاجئهم وبين المدنيين عند إقتراب الطائرات الروسيّة من المنطقة. بسبب خرق الحماية المعلوماتية للطلعات القتالية، إضطرت قيادة القوات الجو-فضائية الروسية إلى إستخدام القاذفات الإستراتيجية القادمة من روسيا، لتدمير الأهداف الثابتة للإرهابيين، فيما تولت الطائرات الهجومية المرابطة في قاعدة حميميم، مهمة استهداف القوافل المتحركة. وذكرت "فزغلياد"، أنّ التفسير الوحيد لهذا الأمر الغريب يكمن في تلقي الإرهابيين تسريبات من المعلومات الخاصة بالاستخبارات الفضائية لدولة ما... وعلى الرغم من أن الاستخبارات الفضائية لهذه الدولة المجهولة تسجل إقلاع القاذفات الإستراتيجية الروسية من همدان، مثلما تسجل تحركات الطائرات الروسية في جنوب روسيا وفي حميميم، إلا أن الفترة الزمنية بين الإقلاع ووصول القاذفات إلى مواقع الإرهابيين، غير كافية لتمكينهم من الحصول على بلاغ بالخطر المحدق بهم والهروب من المنطقة... وأرجعت هذا القدر المقبول من السريّة إلى قصر المسافة، والتضاريس الجبلية المحيطة بالقاعدة الإيرانية. 2- قال الخبير الروسي في الشؤون العسكرية "قسطنطين سيفكوف" إن استخدام قاعدة همدان الجوية الإيرانية يزيد من فعالية الغارات الروسية على مواقع الإرهابيين في سورية بـ3 أضعاف. وأوضح الخبير الذي يشغل منصب نائب رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية في موسكو، في 16/8/2016: "القاذفات الإستراتيجية "تو-22-إم3" كانت سابقا، لدى قيامها بمهمات قتالية في سورية، تقلع من مطار "موزدوك" في جنوب روسيا، ما يعني أنه عليها قطع مسافة قرابة 3 آلاف كيلومتر، وهو أمر يحد بقدر كبير من قدرتها على حمل الأسلحة، التي لا يتجاوز وزنها في هذا الحال 5-8 أطنان. وبعد انتقال هذه القاذفات إلى القاعدة الجوية الإيرانية، ستقطع مسافة لا تتجاوز 900 كيلومتر للوصول إلى أهدافها في سورية، ما يسمح لها بحمل قرابة 22 طنا من الأسلحة. 3- لجوء القوات الجو-فضائية الروسية لاستخدام البنية التحتية العسكرية الإيرانية يمليه أيضاً سير التطورات الميدانية في سورية. فحلب، الواقعة في شمال البلاد، تشهد معارك عنيفة مع أدوات الغزو الأميركي الإرهابيّة الساعية لحصار حلب وإحتلالها بعد فك الطوق عن الإرهابيين في أحياء حلب الشرقيّة... الأمر الذي يجري بالتزامن مع استمرار تدفق السلاح عبر الحدود التركية... ما ولد ضرورة الإقتراب من الميدان أكثر، لتقليص الفاصل بين لحظة الإقلاع وتوجيه الضربات. * أخيراً: منذ أيام الزعيم السوفيتي "يوري أندروبوف" -1982-1984- لم تحظى لا سورية ولا إيران وحلفائهما بقوة دوليّة عظمى مستعدة؛ بل وتشاركهما في ميادين المعارك، سياسياً وعسكريا وإقتصادياً وإستخبارياً وتقنياً... تثبيت قاعدة همدان على خط سير القاذفات الروسيّة، وتعجيل تطوير البنى التحتيّة لقاعدة حميميم السورية لتستوعب هذه الطائرات العملاقة قبل منتصف أيلول القادم، وتقديم موعد المناورات البحرية-الصاروخية الروسيّة في المتوسط وقزوين... ناتجة عن قرار لن يقلب وقائع الميدان السوري إنطلاقاً من مدينة حلب وريفها فحسب؛ بل خطوة متقدمة جداً لتغيير النظام الدولي المفروض منذ 1991... ويجب أن نتذكر دائماً تلك العبارة المفتاحيّة التي قالها لافروف العام 2013: "إن شكل العالم يتوقف على الشكل الذي تنتهي عليه الأزمة السورية". بإستعدادات فوق العادة، إكتمل سوار النار حول النظام الدولي القديم في حلب، ودنت ساعة سحقه.