2024-04-26 09:03 ص

الإنتخابات الأردنية بين صدق الوعود وما ترسخ في العقول

2016-08-25
بقلم: د. أنور العقرباوي  
يشهد الأردن في العشرين من شهر أيلول القادم إنتخابات نيابية، بعد أن أقر البرلمان السابق بمجلسيه وعلى عجل، تعديلات دستورية تحصر العديد من الصلاحيات السياسية والأمنية والقضائية بيد الملك، قيل في حينها أنها تهدف بالوصول من خلال حزمة الإصلاحات القانونية، إلى تشكيل حكومات برلمانية من قبل الاغلبية البرلمانية! الأخبار القادمة من عمان تفيد، أن الإشكالية الأساسية في عدم فهم قانون الإنتخابات الجديد، قد نتج عنه حالة حقيقية من الإرباك على كل المستويات من ناخبين إلى مرشحين! وبحسب إستطلاع للرأي أجراه في شهر نيسان المنصرم " المعهد الجمهوري الدولي"، فإن 58% بالمئة من الأردنيين لا يعرفون شيئا عن القانون، وأن 57% بالمئة من اللذين استطلعت آرائهم فإنهم ينوون الإمتناع عن الإقتراع في الانتخابات القادمة! أما المعضلة الرئيسية اللتي تفسر عزوف الكثير من الأردنيين عن المشاركة في العملية" الديمقراطية"، فإنه برأي الكثيرين من المراقبين والمطلعين هو غياب الثقة بين الشعب والحكومة في إجراء انتخابات نزيهة، نتيجة تراكم الشكوك في مصداقيتها، عززتها تجارب سابقة في تأثير دوائر معينة على عملية الإقتراع من بدايتها حتى الى ما بعد صدور نتائجها، كما أشارت إلى ذلك العديد من الشخصيات الأردنية المرموقة، اللتي كانت ولا يزال البعض منها جزءا من النظام نفسه! يقول د. حسين عمر توقة، وهو أحد أشهر الباحثين في الإستراتيجية والأمن القومي في الأردن، واللذي شغل مناصب عسكرية ودبلوماسية عديدة، يقول في مقال له (رأي اليوم 26/1/2014) وهو يستعرض بعضا من الأمثلة عن ممارسات الأجهزة الأمنية الأردنية ومدى تغلغلها وسيطرتها على شؤون المؤسسات الحكومية، أنه كثيرا ما كان يتلقى النواب مكالمات هاتفية من قبل رجال المخابرات لتلقينهم بل وإصدار الأوامر لهم في كيفية التصويت، ثم ينتقل إلى مثال آخر عن كيفية اعتراض رئيس ديوان ملكي على قيام مدير المخابرات بتنسيب ثلث أعضاء مجلس الوزراء من المرتبطين بدائرة المخابرات، متمنيا عليه أن يخفض عدد المنسبين! وحسب ما أعلنته هيئة الإنتخابات المستقلة، فإنه قد تم تسجيل 1293 مرشحا للإنتخابات القادمة ضمن 230 قائمة يتنافسون على 230 مقعدا وزعت على 23 دائرة. ناهيك عن التذكير بأن من بينهم 165 مرشحا من مجالس سابقة! وإذا ما استثنينا ولو بدرجة أقل التيارات الإسلامية، فإنه من الملفت للنظر في هذه القوائم أنها لا تستند، ومع ضعف "الاحزاب"السياسية عامة، إلى توافق أو تجانس بدليل غياب البرامج المشتركة بين مرشحيها، علما بأن معظمها تتشكل حسب الإنتماء العشائري اللتي تسعى للوصول إلى البرلمان تحت شعارات خدماتية لغايات وجاهية! وإذا كان من الظلم أن تحرم قطاعات واسعة نفسها، من المشاركة في تقرير نظم ونمط حياتها اليومية ومستقبلها، نتيجة اليأس في الثقة بين الشعب والحكومة (وإن كان ذلك لا يمنعها من الإدلاء بالقسيمة البيضاء)، وإذا كان النظام يعنيه هم المواطن اللذي يرزخ تحت ظروف معيشية واقتصادية قاسية، فإنه من العدل والحكمة والشجاعة في آن، أن يترجم وعوده إلى أفعال، وأن يضع حدا لتدخل أجهزته الأمنية في العملية السياسية، وبعكس ذلك فإنه سيثبت للمرة بعد الأخرى على أنه نظام تبعي وظيفي، لا هم له سوى تطبيق توجهات سياسية خارجية تخدم أغراض مشبوهة، لا ناقة ولا جمل فيها للمواطن اللذي أعيته البطالة، والفقر، والحرمان، وتسلط اللصوص وعاهات الفساد! يقول المثل الشعبي "أيلول ذيله مبلول"، وذلك كناية للخير العميم اللذي تبشر به قطراته في الشهور اللتي تليه، ونقول أن رب صدفة خير من ألف ميعاد عندما يوافق نهاية أيلول موعد الإنتخابات النيابية، حين يبتل رمق الأرض العطشى بالماء، وحينما سينعم الشعب الطيب الأردني نصير قضايا أمته في كل زمان ومكان بأول شعاع للحرية، بعد عقود من أول وآخر حكومة يتيمة برلمانية!!!!!!! 
*كاتب فلسطيني-واشنطن