2024-05-02 12:28 ص

محاربة الإرهاب....من دير الزور الى قصف قافلة المساعدات ....مصالح أمريكية

2016-09-22
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
بعد مضي ما يقارب من خمسة عشر سنة وازهاق أرواح مئات الالاف من البشر وصرف تريليونات من الخزينة يتبين أن "الحرب على الارهاب" التي أطلقتها رسميا الولايات المتحدة بعد أحداث الحادية عشر من سبتمبر عام 2001 قد ولدت مزيدا من عدم الاستقرار والعنف والفوضى في العديد من البلدان لم نتخيله عندما بدأت الحملة الكونية التي لا يبدو لها نهاية أو تعريف. اليوم نشهد بأن المجموعات الإرهابية الجهادية تسيطر على مزيد من الأراضي والمناطق وباتت تشكل أكثر خطرا وتهديدا على العالم باسره بالمقارنة مع تلك التي كانت في الحادي عشر من سبتمبر، كما تشهد اعداد العمليات الإرهابية في العديد من الدول الأوروبية والاسيوية والافريقية والولايات المتحدة. وبحسب تقرير حديث لمجموعة سوفان المختصة بمتابعة الأمور الأمنية فان المخاوف من الارهاب الدولي في فترة ما بعد 11/9 " أسواء بكثير عما كانت عليه عام 2001". وذكت المجموعة في تقريرها أن انتشار العنف المتطرف " فاق بكثير ما يمكن يكون قد فكر به أسمة بن لادن بأن يتحقق خلال 15 سنة". ونظرة الى ما فعلته وما زالت تفعله الولايات المتحدة في سوريا يبين انه من الصعب تصديقها من ان هدفها الرئيس هو محاربة الارهاب كما تعلن ليلا ونهارا وعلى أنها أنشأت ما سمي "بالتحالف الدولي" لمحاربة الارهاب في العراق وسوريا. ولا شك ان كل من ما زال يصدق هذه الكذبة لا يمكن اعتباره الا أنه ساذج ولا يستطيع أن يرى الاحداث كما هي على أرض الواقع، هذا على افتراض انه ليس عميلا أو أداة او حليفا للولايات المتحدة. ولمجرد التذكير لمن ذاكرته ضعيفة أو انها وهنت مع الزمن فالحرب في سوريا مستمرة منذ ستة سنوات والتي ما زال البعض يطلق عليها "الحرب الاهلية" في جميع كتاباتهم وتصريحاتهم آملا أن ينفي الطابع الكوني للمعركة التي تقودها الدولة السورية مع حلفاءها المخلصين، نقول للتذكير فقط أن الإدارة الامريكية وعلى لسان رئيسها أوباما الذي أعلن في البداية أن هدف الولايات المتحدة هو "اضعاف ومن ثم القضاء" على تنظيم داعش في سوريا. ولكن بدل من أن يتحالف مع الجيش العربي السوري الذي يحارب تنظيم داعش على الأرض فقد أمضت واشنطن سنوات طويلة في دعم ما أسمتهم "بالمعارضة المعتدلة" الذين يحاربون القوات النظامية للدولة السورية. بمعنى ان واشنطن قررت ومن خلال أدواتها محاربة الجيش المؤهل والذي يمتلك القدرة لدحر الارهاب والقضاء على تنظيم داعش، ونصبت نفسها داعمة لكل من يحارب الدولة السورية بينما تقصف الاخر الذي لا يحاربها. ان تقديم الدعم والمساندة للمجموعات المسلحة التي تقاتل الدولة السورية والجيش العربي السوري سواء مباشرة أو غير مباشرة كانت تهدف بالأساس الى اسقاط الدولة السورية وتغيير النظام والمجيء بنظام يحظى برضاء الولايات المتحدة ولا يقف حجر عثرة أما المخططات والاستراتيجية الامريكية في المنطقة. وبالطبع هذه السياسة التي انتهجتها الإدارات الامريكية المتعاقبة لا تقتصر على منطقتنا بل تمتد لتشمل العالم بأجمعه، وان اختلفت سبل تحقيق ذلك مع الزمن من التدخلات العسكرية المباشرة الى استخدام اقوى محلية عسكرية أو مدنية والأدوات أو ما أطلق عليه "الثورات الملونة". ومع مرور الوقت تبين للقاصي والداني أن المجموعات أو "الثوار" كما يحلو للصحافة الغربية تسميتهم التي تدعمهم الولايات المتحدة "بالمعتدلين" أنهم بعيدين كل البعد عن هذه التسمية. فقد قاتل الكثيرون منهم أمثال أحرار الشام وجيش الفتح وجيش الإسلام وحركة نور الدين زنكي التي قامت بذبح الطفل الفلسطيني وبث عملية الذبح في فيديو مصور. هؤلاء وغيرهم ما زالوا جنبا الى جنب مع جبهة النصرة القاعدية المصنفة كمنظمة إرهابية امميا والتي قامت مؤخرا بتغير اسمها الى "جبهة فتح الشام" بعد الإعلان عن "فك" ارتباطها بتنظيم القاعدة الذي يترأسه الظواهري المتواجد في أفغانستان، وذلك تحت ضغط من بعض الدول الإقليمية الراعية للإرهاب وكذلك الولايات المتحدة على أمل تحسين الوجه القبيح لإرهابها وضمها الى المجموعات "المعتدلة" لكونها أكبر وأقوى المجموعات عدة وعتاد التي تقاتل الجيش العربي السوري الى جانب تنظيم داعش. والعديد من الذين دربوا على أيدي خبراء من الجيش الأمريكي واعطوا أسلحة متطورة مثل صواريخ TOW المضادة للدروع على سبيل المثال قبل ارسالهم الى الداخل السوري قاموا بالالتحاق وبأسلحتهم اما بالنصرة الإرهابية أو تنظيم داعش حال دخولهم من المعابر التركية الى الأراضي السورية وهذا ما أوردته العديد من الصحافة الغربية ومراكز الأبحاث الغربية بالإضافة الى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية ولم يعد سرا على أحد. وربما ما حصل في بلدة الراعي السورية مؤخرا لهو دليل واضح عن ماهية المجموعات التي تدربهم وتسلحهم الولايات المتحدة من عناصر الجيش الحر. فقد تهجم أفراد هذه المجموعة على عناصر من القوات الامريكية الذين حاولوا دخل البلدة وقاموا بتهديدهم بالقتل إذا لم يغادروا البلدة وكانوا يصرخون في وجههم "كفرة..ملحدين" و "صليبيين خنازير" وهو ما ورد في احدى وسائل الاعلام الامريكية (http://ronpaulinstitute.org 20th Sept 2016). والجميع يدركون أن إحدى النقاط الجوهرية شكلت وما تزال تشكل عائقا في المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة لتطبيق اتفاقية "وقف الاعمال العدائية" هي عملية تسمية وفصل المجموعات "المعتدلة" عن جبهة النصرة القاعدية وداعش. ولا بد من الإشارة هنا الى أن الولايات المتحدة تعهدت أن تقوم بذلك قبل عشرة أشهر ولم تفي بوعدها لغاية الان!!!! وهذا يدلل على أمرين وكلاهما لا يبشر بالخير لإنجاح أية اتفاقية "لوقف الاعمال العدائية" في سوريا. الأول هو أن الولايات المتحدة غير معنية بتنفيذ تعهدها بهذا الخصوص أو أنها لا تستطيع الضغط على أدواتها للالتزام بما تم الاتفاق عليه مع روسيا. وهذا يعني ببساطة أن ما تسعى اليه الولايات المتحدة وحلفاءها وادواتها هو تطبيق الاتفاق من طرف واحد وهو الدولة السورية والجيش العربي السوري وحلفاءه وإطلاق اليد للمجموعات الإرهابية وتجميع قواها والحصول على مزيد من السلاح والامدادات لارتكاب مزيد من المجازر بحق المدنيين والاستمرار في محاربة الجيش السوري. وهذا ما لن يكون أمرا يمكن السكوت عليه بعد الان وخاصة مع عدد الشهداء من المدنيين والجيش العربي السوري الذي التزم بالاتفاقية الأخيرة والتي خرقت أكثر من 300 مرة وأدت الى استشهاد ما يقرب من 150 من عناصره. وخرق "الهدنة" أو "وقف الاعمال القتالية او العدائية" لم يقتصر على المجموعات التي تعتبرها الولايات المتحدة الامريكية "معتدلة" بل شملت أيضا الولايات المتحدة نفسها عندما قامت طائرات "التحالف الدولي" لمحاربة الارهاب والذي تقوده واشنطن بضرب مواقع الجيش العربي السوري في جبل ثردة المشرف على مطار دير الزور بالإضافة الى محيط المطار والذي ذهب ضحيته بحسب آخر المعلومات 83 شهيدا من عناصر الجيش بالإضافة الى ما يقرب من 100 جريح. وبعد فترة من التردد أجبرت الإدارة الامريكية على الاعتراف بهذه المجزرة مدعية انها كانت بالخطأ ولم تكن بأي حال من الأحوال مقصودة حيث أنها اعتقدت أنها تقصف مواقع داعش القريبة من تلك المنطقة. هذا على الرغم من تواجد طائرات الاستطلاع الامريكية فوق المنطقة التي تم قصفها لمدة يومين كاملين قبل الاغارة على الموقع. وسيقت المبررات والذرائع لهذه الغارة التي لا تقنع أحدا محايدا على الاطلاق. وكما أوضحنا في مقال سابق فان الهدف الرئيسي من هذا العمل الاجرامي كان إعطاء الفرصة لتنظيم داعش للاستيلاء على منطقة دير الزور وذلك لمنع التواصل الجغرافي لمحور المقاومة عبر الأراضي العراقية http://pelest.com/article/view/id/10562)) بالإضافة الى استخدامها ممرا لأنابيب الغاز القطري لنقله الى تركيا ومن ثم الى الدول الأوروبية، وهو العرض الي رفضته الدولة السورية وكان أن بدأت الازمة السورية بعد الرفض للمشروع القطري بأقل من اسبوعين. والذي يبدو أن تحرك وحدات الحماية الكردية في الشمال السوري في الحسكة في 18 أوغسطس وبدء اشتباكات مع الجيش السوري فجأة وبدون مقدمات في تلك المنطقة بتشجيع وتحريض من قبل الخبراء والقوات الخاصة الأميركية التي انضمت الى المقاتلين الكرد وذلك في محاولة السيطرة الكاملة على مدينة الحسكة مما طرح سؤلا كبيرا آنذاك حيث أن العلاقة بين وحدات الحماية والدولة السورية لم تكن علاقة عدائية آنذاك. والذي يبدو أن هذه الخطوة في دير الزور وما حصل في الحسكة آنذاك له ارتباط بتقرير سري كتب عام 2012 من قبل وكالة الاستخبارات الدفاعية الامريكية Defense Intelligence Agency والذي جاء فيه " هنالك إمكانية لإقامة إمارة سلفية (كيان سني) في شرق سوريا ( الحسكة ودير الزور) وهذا بالضبط ما تريده القوى المؤيدة للمعارضة من أجل عزل النظام السوري الذي يشكل البعد الاستراتيجي للتمدد الشيعي (العراق وايران)". بمعنى ان الهجوم على دير الزور من قبل طائرات التحالف وتحرك بعض القوى الكردية في الحسكة لم يكن محض صدفة، وخاصة إذا ما علمنا من هي القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة السورية واظهارها للصراع في المنطقة على انه صراع طائفي ومذهبي وعلى أن هذا يصب ويخدم المصالح الاستراتيجية الامريكية في المنطقة لأنه يعمل على اضعاف محور المقاومة ويدعم "أمن" للكيان الصهيوني والسيطرة على طرق امداد مصادر الطاقة. أثارت هذه الغارة وما سببته من أعداد كبيرة من الشهداء من الجنود السوريون غضبا عارما من قبل روسيا وسوريا وحلفاءها كما اتضح من حدة التصريحات وردود الفعل العملية على الأرض حيث كثفت روسيا من طلعات طائراتها القاذفة الى جانب الطيران السوري مما مكن القوات السورية وبعد ساعات قليلة فقط من استعادة التلال التي سيطر عليها عناصر من داعش بعد القصف مباشرة في جبل ثردة. هذا بالإضافة الى قصف عنيف للإرهابيين في حلب الشرقية، وقصف المركز الذي يدير الحرب هناك في بثلاثة صواريخ روسية مجنحة من سفن حربية روسية. ولقد صرحت وكالة الانباء سبوتنيك ان غرفة العمليات ضمت ما يقرب من 30 من أمريكيين وبريطانيين وأتراك وسعوديين وقطرين وعناصر من الموساد الاسرائيلي (ومع هذا فما زال البعض يردد سيمفونية الحرب الاهلية في سوريا). وتبين أنه لا جدوى فعلية من الالتزام بوقف الاعمال القتالية من جانب واحد أي من جانب الجيش العربي السوري وحلفاءه. وفي حركة مشبوهة شبت النيران في احدى الحافلات التي تحمل المساعدات الإنسانية والتي كانت في المنطقة التي يسيطر عليها الإرهابيين من أحرار الشام وجبهة النصرة المحاصرين بالكامل في حلب الشرقية. طبعا الطرف الأمريكي اتهم مباشرة الطرف الروسي والسوري بعملية قصف الحافلة من الجو. هكذا بدون مقدمات أو دليل على الرغم من أن طائرات التجسس والاقمار الاصطناعية لا تغادر الأجواء السورية على الاطلاق واعتمد السيد كيري والاستخبارات الامريكية على شاهد أو شهود عيان (من طرف الإرهابيين) اللذين لاحظوا وجود مروحيات في المنطقة وكما ورد في حديث كيري الفاقع والغير مستند الى أي دليل واضح سوى شاهد عيان وأغفل الصور التي التقطت من الأقمار الاصطناعية لسبب بسيط لأنه يريد أن يمرر الكذبة على البسطاء والبلهاء. وحبل الكذب والفبركات بالطبع لا ينتهي. وهذا يذكرنا على الأقل بالصور والفيديوات التي عرضها كولن بأول وزير الخارجية في مجلس الامن قبل غزو العراق عام 2003. احدى الصور الملتقطة من الأقمار الاصطناعية كانت لسيارة تسير في احدى الطرق وقال بان هذه هي احدى المعامل المتحركة لإنتاج الأسلحة البيولوجية والجرثومية. بلع المجتمع الدولي عندئذ الكذبة كما بلع امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وامتلاكه للقنابل النووية وبعد عدة سنوات من التمحيص والتفتيش والاستجوابات تبين أن غزو العراق قام عل مسلسل من الكذب والافتراء والادعاءات الملفقة. المجتمع الدولي لم يعير اهتماما بالصور المأخوذة من الأقمار الاصطناعية الروسية التي تبين أن القافلة ولحين دخولها الى المنطقة التي تقع تحت سيطرة الإرهابيين مرت بسلام. ولم يؤخذ بعين الاعتبار أن جبهة النصرة أطلقت الصواريخ بالتزامن مع دخول المعونات الإنسانية الى حلب الشرقية. والسؤال الذي يجب أن يسأل هنا ما هي مصلحة روسيا أو سوريا في قصف حافلة المعونات الإنسانية؟ وخاصة وأنهم يدركون تبعات هذا التصرف. ومع كل هذا فان السيد كيري فضل أن يشن الهجوم على روسيا في كلمته في جلسة مجلس الامن والذي تابع كلمته يدرك مدى هشاشة وضحالة الحديث الذي كال فيه الاتهامات الباطلة دون أن يقدم دليلا ماديا واحدا وفي نفس الوقت يذرف دموع التماسيح على الأوضاع الإنسانية متناسيا أن من تسبب في الكارثة الإنسانية في سوريا هو التدخل الأمريكي واداوته في المنطقة الذين لم يوفروا جهدا في تجميع حثالة الأرض وتوفير الدعم المالي والسياسي والإعلامي وتوفير السلاح ومعسكرات التدريب والدعم اللوجيستي وغيرها لتدمير الدولة السورية. ان الايادي التي اعتدت على قافلة المساعدات الإنسانية في حلب الشرقية لها مصلحة كبرى في حرف الأنظار عن المجزرة المروعة التي ارتكبتها طائرات التحالف الذي تقوده واشنطن نظرا لخطورتها وابعادها وارتداداتها على الحرب الكونية التي تجري على الساحة السورية سواء في الدائرة الإقليمية أو الدولية. وهذه الايادي ليس من مصلحتها أن يكون هنالك سلام وحل سياسي للازمة السورية بل مصلحتها تكمن في إبقاء الحرب الدائرة في سوريا واطالة أمدها، وإعطاء المبررات لإبقاء القوات الأجنبية التي لم تأتي بالتنسيق وموافقة الدولة السورية وخاصة قوات التحالف والجيش التركي وتدخلات الكيان الصهيوني التي أصبحت مباشرة، هذا عدا عن جحافل الإرهابيين والمرتزقة اللذين لم ينتهي دورهم بعد. وكما قال السيد بشار الجعفري ممثل الدولة السورية في الأمم المتحدة لقد دخلت الحرب في سوريا من "حرب بالوكالة الى حرب بالأصالة" وهي عبارة تلخص واقع الحال الجديد بكل أبعاده.