2024-04-26 11:13 م

سوريا.. والاستهداف الأمريكي

2016-12-03
بقلم:  محمد عياش*
قصة الاستهداف الأمريكي لسوريا لم تعد خافية على أحد , والنوايا الخبيثة تجاه دمشق مستمرة باستمرار سوريا على النهج المقاوم والممانع , وما يجري في سوريا , نتيجة حتمية على صمود الموقف السوري الرافض للخضوع والخنوع للمشروع الصهيو – أمريكي , وبالتالي فإن المحاولات بهذا الصدد كثيرة وكثيرة جدا ً , وآخر ما فتح شهية التآمر , ما يسمى ( الربيع العربي ) الذي أعاد لواشنطن الأمل بوضع سوريا بالمهداف الأمريكي . في عام 2003 جاء وزير الخارجية الأمريكي الجنرال كولن باول إلى سوريا حاملا ً ( مطالب وأوامر ) أمريكية معتقدا ً أن سوريا سيكون لديها الجاهزية لتنفيذها , وهو كما يعتقد أن دباباته وطائراته أصبحت على بعد 400 كلم من دمشق وكل ما ينتظره هو الأمر ببدء العملية العسكرية , وأن دمشق قد أصابها الجزع والخوف من الآلة العسكرية الأمريكية التي دمرت بوحشية العراق الشقيق تحت حجج واهية لا أصل لها في الحقيقة , سوى التدمير الممنهج في الفكر الصهيوني الذي يشترط على أصحاب القرار في البيت الأبيض بتنفيذه . إن الشروط التي تضمنتها ورقة باول , كلها تتعلق بتخل سوريا عن حركة حماس وإغلاق مكاتبها وطرد قيادتها من الأراضي السورية , والتخلي عن حزب الله , وقطع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية . فكان الرد كالصفعة التي تلقاها باول على وجهه , بالرفض السوري المطلق . لذا يمكن اعتبار هذا الموقف من الأسباب المباشرة التي تجعل من واشنطن أكثر حماسة من ذي قبل لاستهداف سوريا وقيادتها والتحالف مع الشيطان للنيل من هذا البلد العربي الذي يعلنها جهارا ً نهارا ً , لا للهيمنة الأمريكية . إن الاستهداف الأمريكي لسوريا , أخذ أبعادا ً كثيرة , باعتبارها الموئل الوحيد المتبقي لحركات التحرر العربية , وهي التي دعمت حركة حماس ورفضت كما أسلفنا مطالبات باول بإبعادها عن الساحة السورية , وهي التي راهنت على تحرير الجنوب اللبناني من الكيان الصهيوني بدعم حزب الله اللبناني بشرعية المقاومة والتحرير , وهي الدولة العربية الوحيدة التي لم تفتح علاقات لا سرية ولا علنية مع الكيان الصهيوني , وبالتالي فإن الموقف السوري , موقف ثابت من القضية الفلسطينية , وهذا ما جعل الكيان الصهيوني يجدد الطلب من واشنطن بالضغط على دمشق لكي تتخلى كليا ً عن الحركات التحررية العربية , وإلا ستواجه الكثير من العواقب . ومع ما يسمى ( الربيع العربي ) نشطت المحاولات لتركيع دمشق وإدخالها في هذه اللعبة الخبيثة , وهيأت الأدوات وبعض الدول الغنية للعب دورا ً بغاية الخطورة , والهدف هو القرار السيادي السوري الذي يزعج واشنطن , نعم القرار السوري الذي مرغ أنف الأمريكيين إبان المفاوضات العقيمة مع الكيان الصهيوني , الذي تهيأ لإعلان اتفاق تاريخي مع الرئيس الراحل الخالد حافظ الأسد , عندما طلبوا منه أن يتخلى عن بعض أمتار عند بحيرة طبريا , وقال قولته الشهيرة : لست حافظ الأسد الذي يتخلى عن شبر أرض سوريا . وانتهت المفاوضات بخيبة أمل تضاف لخيبات كثيرة . حتى لا نفاجأ من المواقف الأمريكية , التي تستهدف سوريا أرضا ً وشعبا ً وقيادة , فإن الأمر فيه حنق شديد , وأن الاستهداف واقع لا محالة , فهناك دولة تعيش حالة من السادية الدولية , وبالتالي لا يمكن أن تتجاهل كل من ألحق بسياستها الخارجية بالهزيمة , وهي التي تصمت ثم تعود , وهذا التنظيم الإرهابي ( داعش ) وملحقاته من التنظيمات الإرهابية , ما هي إلا أدوات أمريكية للغاية ذاتها , وأكثر ما يزعج الأمريكيين هو التسويق الخاطئ للمفاهيم الأمريكية , التي تتعارض بالمطلق مع نصف الكرة الأرضية . على الأمريكيين أن يعترفوا بفشل سياستهم الخارجية , وعليهم أيضا ً أن يعترفوا بنجاح الآخر , وعليهم أن يحرقوا كتاب صموئيل هنتغتون ( صدام الحضارات ) في حفلة بالحديقة للبيت الأبيض , وأن هذا الكتاب وأفكاره لم تعد صالحة لهذا الزمان الذي يرفض بأحادية القيادة , وانتهاء العالم بانتصار اليانكي الأمريكي , وأن العالم لا يصلح بعيدا ً عن القيادة الأمريكية , والأهم من كل ذلك , الاعتراف للعالم بفشل الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم , وإسرائيل هي المحرك الأساسي للسلوك الأمريكي , وعليها أي إسرائيل , تتوقف الرؤية والتوجهات الأمريكية ورسم السياسة العامة لهذا البلد المخطوف والذاهب نحو المجهول على حد قول مهندس السياسة الأمريكية السابق هنري كيسنجر .
*كاتب وإعلامي