2024-04-26 11:23 م

نفاق أوروبي غير مسبوق في مسألة حرية الإعلام

2016-12-05
بقلم: بطرس الشني
ظهر النفاق الأوربي بصورة فاقعة فيما يتعلق بمسألة حرية الصحافة و حرية العمل الإعلامي و برزت دكتاتورية القوة و الهيمنة ليس من جنرلات على نمط " باولوس " أو "رومل " بل من سياسيين أوروبيين معاصرين أشبه بـ " غوبلز " وزير الدعاية النازي و بات عش الديمقراطية الأوربية " البرلمان الأوروبي " بقراره الموجه ضد وسائل الإعلام الروسية أشبه بمجالس " الشورى " غير المنتخبة التي يعينها معظم الحكام العرب لخدمة حكمهم الفردي المطلق . الأوروبيون كرروا إلى درجة الملل و عبر عقود طويلة مقولات لا تنتهي حول " ديمقراطيتهم و الحرية المثلى التي يعيشونها و بشكل خاص كرروا عبر وسائل إعلامهم العملاقة نظريات و مقولات حول حقوق الإنسان و منها طبعا حق حرية التعبير عن الرأي و حرية الصحافة حتى يظن من يتابعهم أنهم يؤمنون حقا بتلك المقولات و النظريات و ما على بقية العالم " ليتطور انسانياً " ... سوى اللحاق بهم و بمنظريهم .... فجأة تنبه البرلمان الأوروبي لخطورة وجود جهة يمكن أن تقول الحقيقة و بالتالي تؤثر على كامل منظومة الكذب و الخداع المؤلفة من السياسيين الأوروبيين و إعلامهم و من هنا جاء استهداف محطة "RT" ووكالة سبوتنك و الإعلام الروسي بشكل عام و لإيقاف قول الحقائق كما هي يقتضي من الأوروبيين حتما اتخاذ قرار باسم الشعوب الأوروبية عن طريق البرلمان الأوروبي و هكذا تكون الحكومات و الأحزاب بعيدة عن اللوم . القضية لا تتعلق كما في أيام الحرب الباردة بصراع إيديولوجي بين الاشتراكية " الشيوعية " و الرأسمالية كانت المسألة بسيطة يومها إذ كانت تقتصر على شيطنة " الطرف الآخر و إخافة المجتمعات الغربية من " الخطر " الشيوعي " أما اليوم فلا توجد إيديولوجية روسية ذات بعد عالمي لتتم محاربتها و بالتالي لاقرار البرلمان الأوروبي و لا أية إجراءات قمعية للرأي في عصر ثورة المعلومات يمكن أن تحجب الحقيقة و لكن القرار يعكس مدى الضعف الأوربي و الغربي بشكل عام في إقناع الناخب الأوربي بصوابية القرارات السياسية و الإستراتيجية التي اتخذتها الحكومات الغربية في وقت سابق لتوسيع حدود الناتو و نشر قواعد وقوات إضافية على حدود روسيا وأيضا يعكس الخوف من افتضاح الدور الأوربي في احتضان الإرهاب ورعايته و استثماره لتغيير الأنظمة و الحدود الجغرافية في منطقة الشرق الأوسط و الدول القريبة من روسيا جغرافيا أو سياسيا . تملك دول الاتحاد الأوربي آلاف المحطات التلفزيونية وكبريات الصحف العالمية ووكالات الأنباء الرئيسية ومع ذلك وجدت الخطر في محطة مثل RT بدأت البث بمعيار الزمن " يوم أمس " فقامت بإجراءات عبر ممثلي الشعوب الأوربية لمحاربتها ..!! و يتطابق ما يقوله " الإعلام الحر " الغربي حول مسألة الحريات الاعلامية أودعم التوجهات السياسية الغربية مع ما يقوله أي سياسي غربي رغم التشدق بحرية التعبير عن الرأي و في هذا الموضوع فإن الصحافة الغربية حتى الخاصة منها ناطقة باسم الحكومات أكثر مما كانت صحافة الحزب الواحد في الاتحاد السوفييتي السابق ... لنأخذ على ذلك مسألة الإرهاب الذي يضرب سورية و العراق .. فرغم أن الإرهاب واحد لا يمكن العثور في كل تصريحات السياسيين الغربيين و لا صحافتهم على تعبير " إرهابي أو إرهاب" عندما يتعلق الأمر بالمجازر و القصف اليومي على المدنيين في سورية الذي تقوم به منظمات إرهابية مصنفة على قائمة الإرهاب الدولي بل يمكن سماع تعابير مثل " جهادي " .. معارضة مسلحة .. ثوار .. أطراف النزاع .. و لكن الجميع يتجنبون الإشارة إلى الإرهاب في سورية إلا في حالات الإشارة إلى إرهاب داعش و هي واحدة من مئات المنظمات الإرهابية التي تمارس القتل في سورية أما في العراق فإنه يمكن سماع توصيف أدق للإرهاب على ألسنة السياسيين و الإعلام الأوروبي و لكن الجميع متفق أيضا على تعميق الفتنة الطائفية في ذلك البلد في هامش أي تصريح أو خبر إعلامي . السياسيون و الإعلام الأوربي يتحدثون إلى درجة الملل عن الديمقراطية و حقوق الإنسان و حرية التعبير عن الرأي و يجرون تقييمات سنوية لدول العالم حول هذا الموضوع و لكن إذا تعلق الأمر بممالك و مشيخات الخليج فتصبح كلمة" ديمقراطية و حقوق الإنسان" من المحرمات في الإعلام الغربي و في تصريحات السياسيين .. هم يدعمون " الثورات " في أوكرانيا و مصر و ليبيا و سورية و تصبح تارة ملونة و أخرى من أجل الحرية و ثالثة من أجل الديمقراطية و لكن إذا دار الحديث عن البحرين أو القطيف في السعودية او حقوق المرأة والإنسان في معظم دول الخليج فإنهم يصمتون و يتجاهلون كل المآسي لا بل يسعون إلى خداع الشعوب الأوروبية عبر حملات إعلامية مدفوعة الثمن لتبييض صفحة أصدقائهم من عتاة الديكتاتورية عبر العالم و لذلك كان من الطبيعي أن لا تخرج أية مظاهرة في أوروبا أو كندا أو أستراليا للتنديد بدعم حكومات هذه الدول للمنظمات الإرهابية أو لدعم حقوق الإنسان في الخليج أو للاحتجاج على ضحايا أي حرب إسرائيلية ضد الفلسطينيين و اللبنانيين خلال سنوات طويلة . كيف يمكن أن نفهم الخطوة الأوروبية التي سمحت لمحطات ووسائل الإعلام الناطقة بالعربية التي تدعم الإرهاب و تنشر الفكر الوهابي التكفيري المتطرف بالعمل ليل نهار عبر الاقمار الصناعية والمؤسسات و الشركات الإعلامية الأوروبية ولم تحجبها حتى بعد أن ضرب الإرهاب أكثر من مكان في أوروبا لا بل سعت وسائل الإعلام الممولة من الحكومات مثل بي بي سي و فرانس 24 و دوتشي فيله الناطقة بالعربية إلى التماهي التام مع القنوات العربية الداعمة للإرهاب مثل محطة الجزيرة ومحطة العربية وخلال عدة سنوات كان الخبر المتعلق بسورية أو العراق أو ليبيا أو اليمن أو البحرين يحرر في " شركة واحدة " و بثته جميع تلك المحطات بتطابق شبه تام ما يعكس أثر المال الخليجي ليس على الإعلام العالمي فقط بل وعلى السياسيين الأوروبيين أصحاب القرار . القضية لا تتعلق بسورية فقط بل بمعظم شعوب الأرض ففي السابق تم تجاهل ملايين الضحايا في فيتنام وكمبوديا ورواندا وفلسطين والجزائر وليبيا وتشيلي وعشرات الدول الأخرى التي إما تم إحداث الحروب فيها لخدمة مصالح الشركات أو لإخضاعها لمشيئة الغرب بشكل مباشر .. في العام الماضي غص محيط السفارة الفرنسية في موسكو بآلاف باقات الورد تضامنا مع ضحايا الهجمات الإرهابية في باريس قدمها أشخاص روس دفعهم حسهم الإنساني للتضامن مع ضحايا لا يعرفونهم وغطت محطة RT الحدث وكأنه يتعلق بمواطنين من روسيا وليس من دولة أخرى ولكن هذا لم يمنع بعض الصحف الفرنسية من السخرية بالكاريكاتير من ضحايا طائرة السياح الروس التي استهدفها الإرهاب فوق سيناء المصرية وغطت فرانس 24 الحدث وكأنه مناسبة للشماتة بعدو!!!؟؟...وطبعا لم يكن هناك يوم ذاك أية زهور في فرنسا لوضعها في محيط السفارة الروسية.وحتى هولندا التي تفتخر بأنها أكبر منتج للورد في العالم بخلت بباقة واحدة للتضامن مع ضحايا الإرهاب . لاشك أن البرلمان الأوربي يعبر بشكل حقيقي وديمقراطي عن شعوب القارة العجوز وهو تعبير يتطابق مع الأخلاق الاوربية المعاصرة التي وصلت إلى الحضيض بفعل السياسة. 
butros3s@gmail.com