2024-04-27 01:48 ص

ما الذي يدور في "عقل" الرئيس الأسد...؟

2017-01-05
بقلم: سمير الفزاع
تنزع الدول لإستنزاف الخيارات السياسية لأقصى مدى عندما تمتلك رؤية أخلاقية لمصالحها، دون إستسلام لغواية إستخدام القوة الكاسحة... هذا الأمر ينطبق على سورية وحلفائها في تعاملهما مع مجريات الحرب على سورية، خصوصاً وأن الحرب تدور على أرضها في مدنها وقراها، وضد أبناء شعبها حيثما وجدوا... إلى جانب أهميتها التاريخية الخاصة جداً، كونها ستفضي حتماً إلى خلق بنية دولية وإقليمية جديدة. عندما نتذكر هذه القاعدة على نحو دائم، سنعرف حقيقية بعض التصرفات التي قد تبدوا غير مفهومة. هذه القاعدة الأساسية التي يصر الرئيس بشار حافظ الأسد على حضورها عند محاولة فهم وتحليل أي من خيارات سورية وحلفائها. حاولت ترتيب أسئلتي الكثيرة والمتنازعة، بالرغم من شغف بلا حدود يدفعني لسؤال الرجل عن كل شيء، صحوه، نومه، أكله، حزنه، أفراحه، لحظات وحدته، زياراته السريّة، كواليس التفاهمات والإتصالات... . * س1: عذراً على الإطالة، ولكن إستوقفتني جداً هذه العبارة، أقتبس:"الزمن والتاريخ مرتبطين ببعض، ولكن الناس لا تذكر الزمن تذكر التاريخ، والزمن يتحول إلى تاريخ عندما تقرر الأحداث الهامة الكبرى في العالم أن تحول الزمن إلى تاريخ... اعتقد مع تحرير حلب سنقول الوضع ليس فقط السوري وليس فقط الإقليمي بل أيضا الدولي قبل تحرير حلب وبعد تحرير حلب، هنا تحول الزمن إلى تاريخ... حلب تحوّل الزمن إلى تاريخ، الشعب الحلبي بصموده، الجيش العربي السوري برجولته وشجاعته وتضحيته، وكلّ مواطن سوري وقف مع حلب، ووقف مع بلده ومع وطنه ومع الحقّ، هذا بحدّ ذاته تاريخ يُرسم الآن... وهذا أكبر من كلمة مبروك، إنها كتابة التاريخ". ما الذي أردت قوله سيادة الرئيس؟. * الجواب: منذ ستة سنوات تقريباً، تعيش سورية زمن الحرب عليها، مشاريع سيطرة وتفتيت، حرب علنية وعبر وكلاء وأدوات؛ بل وصلنا إلى نقطة هددت فيها واشنطن بعدوان واسع ومباشر على سورية... لقد سعوا إلى التحكم بشكل الزمن من خلال المشاريع التي سعوا إلى تنفيذها في سورية، وفي كل مرة يفشلون فيها لجئوا إلى مخطط جديد... لكنّ مشروع إقليمي-دولي كانت تركيا رأس الحربة فيه، سعوا لتحقيقه عبر السيطرة على حلب، وبقي "صامداً" منذ العام 2012، لحظة السيطرة على شرقي حلب. لقد نهبوا مقدرات المدينة، وعملوا على إفقار أهلها لإغرائهم باللحاق بالمشروع التقسيمي، وقصفوا أحياء المدينة الآمنة لتحويل قناعات أهلها... كان الهدف السيطرة على حلب وجعلها عاصمة لسورية التي يريدونها... كما حصل في ألمانيا وكوريا واليمن... إذا لم نستطع السيطرة على سورية، لنقسمها ونسيطر على ما نستطيع منها، تلك كانت رؤيتهم، حلب عاصمة لدولة من ادلب حتى البوكمال، ومن الحدود السورية-التركية حتى مشارف مدينتي حمص وحماه... بتحرير حلب تمكنت سورية من دفن أحلام أردوغان، وهزموا هذا المخطط، وتحويل مادته من زمن ممتد منذ العام 2012 إلى تاريخ... تاريخ، أسقط فيه السوريون هذا المشروع، ومنعوا تقسيم بلدهم، هكذا تحول الزمن إلى لحظة تاريخية فاصلة، ما بعدها لن يكون كما قبلها... وحتما سقوط هذا المشروع الإقليمي-الدولي، ترك أثره في الدول الداعمة له إقليمياً ودولياً، وأنتج بيئة مختلفة عن تلك التي كانت قائمة بوجود مشروع التقسيم. * س2: سيادتكم، كيف تنظرون إلى النصر الذي حققته سورية وحلفائها في حلب؟. * الجواب: كما يعرف الجميع، كانت معركة تطهير شرق المدينة طويلة ومعقدة وعنيفة جدا، تقول بعض المعلومات بأنها المعركة الأكبر بكثير من الجوانب منذ عقود... عشرات ألآف من الإرهابيين في داخل المدينة وحولها، حاصروا ملايين المدنيين وأحياء كاملة لسنوات، قطعوا عنهم الماء والغذاء والدواء... قصفوهم ليل نهار بمختلف أنواع القذائف، قتلوا أكثر من عشرة ألآف مدني... مع كل ذلك، كانت معركة حلب سياسية الطابع بامتياز؛ بل هي عنوان لمرحلة بأكملها لو تمكنوا من السيطرة على المدينة. مع تحرير تلك الأحياء، وهزيمة أدوات الغزو الإرهابي، بدأ التحول السياسي يضرب العواصم التي تحرك وتدعم تلك الأدوات، من واشنطن حتى باريس وصولاً لأنقره... لهذا قلت بأن معركة حلب، عسكرية الشكل سياسية الجوهر. على كل حال، الصور التي نشرت عم مخازن السلاح الأمريكي والفرنسي والبريطاني والتركي، والغربي عموما، تظهر الحجم الهائل لرهانهم على هذه الجماعات، لقد أعدوا لحرب طويلة تنتهي بسيطرتهم على المدينة ولا شيء آخر. * س3: سيادة الرئيس، بات السوريون يتشائمون من كلمة هدنة أو وقف لإطلاق النار، لأن تلك المبادرات لا تظهر إلا عندما يتقدم الجيش العربي السوري وحلفائه، وغالباً ما تكون نتائجها ضد مصالحهم ومصدراً لانتكاسات ميدانية، ما هو تقييمكم لوقف العمليات القتالية الحالي، وبماذا يختلف عما سبقه من اتفاقات، كاتفاق شباط مثلاً؟. * الجواب: الأمر لا يتعلق بالتفاؤل والتشاؤم بقدر ما يتعلق بالظروف والمعطيات السياسية والميدانية، المهم أن تكون كل خطوة نقوم بها تنقل سورية خطوة نحو الإنتصار والخلاص... لننظر مثلاً إلى الظروف والبيئة السياسية والميدانية لوقف العمليات الأخير: هناك تغير كبير في توجهات الرئاسة الأمريكية الجديدة، إنها تختلف عن تلك التي سبقتها، وإذا نفذت وعودها بخصوص محاربة الإرهاب، والتعاون مع روسيا بدل مناكفتها، سنكون أمام واقع سياسي-ميداني مختلف إلى حدّ كبير... ومن الناحية الميدانية، هناك تطهير حلب، وهذا معطى ميداني بالغ الأهميّة سيكون له تداعيات سياسية عميقة وواسعة. ومن أهم هذه التداعيات ما يمكن ملاحظته في وقف العمليات القتالية الأخير لناحية بنوده التي تؤشر إلى تبدلات مهمّة في الموقف الإقليمي والدولي: مثلاً، ضمن الإتفاق بأن كلّ خرق سيواجه مباشرة، وأن كلّ الفصائل التي لم توقع على هذا الإتفاق تعتبر إرهابية، وستكون هناك آلية للرقابة على الخروقات، لا يسمح الإتفاق بالخروقات سواء كانت عبر الحدود أو في المناطق التي يتواجد بها هؤلاء المسلحون... كما يؤكد بأن من واجب الفصائل التي وقعت على هذا الاتفاق أن تبتعد وتعلن عدم ارتباطها بجبهة النصرة وداعش، يجب عليها القيام بذلك وإلا أُعتبر ذلك تحايلاً وإخلال بالإتفاق، عندها سيأتي دور الضامن لهذه المجموعات، وسيطلب منه شركائنا في الإتفاق بأن يفي بالتزاماته... ودائما هناك مهام لقواتنا المسلحة سوف تقوم بها سواء بالتزامن مع سريان هذا الإتفاق، أو عندما نستشعر أي خطر، سنعالجه بلا تردد... مثلاً، حلب تعاني حتى اللحظة من صواريخ الجماعات الإرهابية التي تستهدف الآمنين في أحيائها الغربية، لا يمكن القبول بهذا الأمر، وكذلك بالنسبة لدمشق، ولا بد من معالجة هاتين المسالتين. هكذا يمكن النظر إلى هذا الإتفاق كإختبار لنوايا حلف الحرب على سورية وأدواتهم الإرهابية، في الوقت الذي نواصل فيه مساعينا لتخليص سورية من هذه الآفة. * س4: سيدي الرئيس، أصوات كثيرة داخل سورية وخارجها، تتحدث عن خسارة سورية قرارها الوطني ونزعتها السيادية، خصوصاً لصالح النفوذ الروسي، ومن أهم الأدلة التي يستندون إليها عبارة قالها مؤخراً المندوب الرئاسي الروسي للشرق الأوسط، بوغدانوف، حيث يقول: إن الأهداف المستقبلية للعمليات العسكرية عقب تحرير حلب من الإرهاب ستحدّدها الحكومة السورية"، وكأن تحرير حلب كان قراراً وهدفاً وعملاً روسيّاً؟. * الجواب: هذا الرأي يمثل جزءاً من الحرب على سورية؛ حيث يصورونها كدولة فاشلة لا تملك قرارها، وأنها كانت على وشك الانهيار لولا التدخل الروسي... دعني أكون صريحاً، يعرف الكل متى تدخلت روسيا، هل يمكن نسيان تلك السنوات التي كنا نقاتل فيها لوحدنا أولاً ثم مع أهلنا في حزب الله؟ ثانياً، لكل معركة خضناها منذ تدخل حلفائنا الروس مستويات عسكرية وسياسية، ظهر الأمر جليّاً في حلب، كنّا نحارب أمريكا والنيتو وتركيا... ألا تعني تلك المخازن الضخمة من السلاح شيئاً؟ البعض منها جاء من مخازن أمريكا والنيتو مباشرة، وتلك الأعداد الهائلة من الإرهابيين... عندما تصارع قوة عظمى مثل أمريكا فأنت حتماً بحاجة إلى قوة عظمى تساندك... روسيا كانت تدير المفاوضات السياسية مع واشنطن، وكانت تقدم لنا الغطاء الدولي، السياسي والعسكري والنووي تحديداً... لنتذكر أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا، هل فقدت كوبا سيادتها؟! العكس تماماً هو الذي حصل، إنهار الإتحاد السوفيتي، وبقيت كوبا قلعة عصيّة وسيدة قرارها... بلطف، يدخل أحد سكرتاريا الرئاسة، سيدي الرئيس: أخبرنا الكرملين برغبة الرئيس بوتين الإتصال بكم. بادرته قائلاً، سيدي الرئيس: حتماً الوقت الذي منحتموه لي غير كافٍ، ولكن أستأذنكم بإنهاء المقابلة على أمل اللقاء بكم مجدداً في الوقت الذي ترونه مناسباً... غادرت مخيلتي قصر الشعب، وهذه الجولة الإفتراضيّة في "عقل" الرئيس بشار حافظ الأسد، على أمل اللقاء به فعلاً.