2024-04-26 08:02 ص

الجزائر والأمن الإقليمي ألمغاربي

2017-01-24
بقلم: عميرة ايسر
باعتبار أن الجزائر من أهم الدول المغاربية والعربية التي تلعب دوراً محورياً في الأمن القومي العربي،بما فيه منطقة شمال إفريقيا وأيضا في المحافظة على التوازنات الدولية في القارة السمراء وباعتبار الجزائر من الدول المؤسسة لاتحاد المغرب العربي ومن أهم دوله من الناحية الجغرافية الجيواستراتيجية فإنها عملت منذ مراحل الاستقلال الأولى على بناء منظومة أمنية استخباراتية وعسكرية بالتعاون مع الدول المغاربية الأخرى من أجل التصدي لأخطار الكبرى التي تهددها كوحدات سياسية وكيانات عضوية لا تزال مستهدفة في أمنها السياسي والاقتصادي والطاقوي،فالجزائر كغيرها من دوله تعرضت لاستعمار من طرف دول الضفة الشمالية لبحر الأبيض المتوسط أين تقع الدول الغربية الاستعمارية الكبرى التي بينت أحداث ليبيا.وتدخل حلف الناتو فيها لإسقاط نظامها ونشر الإرهاب والتَّطرف بغية تقسيم البلاد وتحويلها إلى دولة فاشلة،نفس هذه الدول تتربص بالجزائر ومنطقة شمال إفريقيا وتسعى جاهدةً لعودة إلى احتلالها بشتى الطرق والوسائل والسُّبل المتاحة واللعب على وتر الجهوية أو الطائفية المذهبية أو العرقية أو تأجيج الصراعات بينَ دوله كما فعلت بين الجزائر والمغرب ووظفت قضية الصحراء الغربية كورقة مساومة لضَّغط على كل الأطراف بما فيها موريتانيا لتقديم تنازلات اقتصادية وأمنية عسكرية بالدرجة الأولى،فالصراع الدَّولي والإقليمي على رقعة الشطرنج العالمي لا بد وأن تكون منطقتنا على غرار العديد من المناطق الجغرافية في العالم مسرحاً له باعتبار أنَّ نقاط الارتطام الجيواستراتيجي بين هذه الدول وخاصة روسيا وأمريكا محكومة بتغيرات التي طرأت على بنية النظم العالمي الجديد بعد أحداث سبتمبر الأسود2011والتي كانت صناعة غربية بامتياز،فالأمن المغاربي الذي تشير الأرقام والإحصائيات إلى أن عدد سكانه يناهز 130نسمة ديموغرافياً وتعتبر دوله التي هناك صراعٌ ظاهر بين أقطابها ويمكن أن يتحول في أي لحظة إلى انفجار تصيب حممه المنطقة بأكملها،نتيجة عدَّة عوامل وفواعل سياسية واقتصادية وإيديولوجية وتحالفات إستراتيجية متناقضة متضاربة بين الكره والبغض الجزائري والتونسي والموريتاني لإسرائيل وإقامة المغرب علاقات وروابط سرية معها. -فالموساد الإسرائيلي ومنذ الستينيات من القرن الماضي يعمل بالتَّنسيق مع المخابرات المغربية لزعزعة استقرار دول كالجزائر وموريتانيا وليبيا والتي نجح في استهدافها عن طريق ثورات الربيع الماسوني سنة2011كما يرى الكثير من المراقبين ومنهم الأستاذ رياض الصيداوي مؤسس مركز الوطني العربي لأبحاث والنشر في جنيف،ولضمان أمنها الإقليمي وأمنِ جيرانها المغاربة سعت الجزائر لتكوين علاقات سياسية وأمنية مع دوله باستثناء المغرب التي تشهد العلاقات الثنائية بينها وبين الجزائر توتراً حاداً وعميقاً بسبب السِّيادة على القارة الإفريقية وتضارب مصالحهما الإستراتيجية والموقف الجزائري من حقِّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره،إذ تمَّ غلق الحدود بينهما منذ 1994وتخفيض العلاقات السِّياسية والمبادلات التجارية والاقتصادية والتعاون الأمني إلى حده الأدنى،أما تونس فهناك تعاون أمني وثيق وكبير بين المؤسستين الأمنيتين في البلدين،فالزيارة التي قام بها وزير المجاهدين السيِّد الطيب زيتوني والتقى بها السيِّد فرحات الحرشاني وزير الدفاع التونسي في بداية شهر فيفري سنة 2016بمناسبة ذكرى ساقية سيدي يوسف أين تم الاتِّفاق على تعزيز التعاون بين البلدين وخاصة في مجالات مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وإمضاء أكثر من 10إتفاقيات لتوأمة في عدة مجالات حيوية،وزيادة التنمية الجهوية عن طريق إقامة مشاريع مشتركة،وكان معه السيِّد نور الدين بدوي وزير الداخلية وعدد كبير من المسئولين في الدولة الجزائرية،ولا ننسى التعاون ألاستخباراتي العالي المستوى مع تونس بعد زيارة قيادات أمنية جزائرية إليها في نهاية سنة 2012وتزويد الجيش الجزائري لنظيره التُّونسي بوسائل تكنولوجية،وأسلحة عالية التِّقنية لضرب أوكار الإرهاب وجماعاته والقيام بعمليات مشتركة في الشَّريط الجبلي على الحدود بين البلدين،أمَّا على الجانب الموريتاني فالجزائر تحرص دوماً على أن تكون لها علاقات تثائية متيمزة وإستراتيجية وعلى كافة الأصعدة والمستويات وتوقيع الجزائر لحوالي 14إتفاقية مع الدولة الموريتانية الشقيقة وهذا ما أكد عليه السيِّد عبد القادر مساهل وزير الشؤون المغاربية وجامعة الدول العربية عند تطرقه إلى الحديث عن اجتماع الدورة 18للجنة المشتركة الكبرى الجزائرية الموريتانية،والتي يترأسها السيِّد عبد المالك سلال ونظيره الموريتاني السيِّد يحي ولد حدمين وفي إطار سعي الجزائر إلى توسيع أمنها الإقليمي المغاربي فإنها وسعت علاقاتها لتشمل مجالات مكافحة الإرهاب والجماعات المسلَّحة التكفيرية،وكذلك التعاون الأمني العالي المستوى خاصة إذا علمناَ أنَّ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وجماعة الإرهابي مختار بالمختار الإرهابي يتَّخذون من موريتانيا أحد الملاذات الآمنة خلال تنقلاتهم الكثيرة في الصحراء الكبرى بغية تنفيذ عمليات نوعية في الجنوب الجزائري انطلاقاً من موريتانيا شبيهة لتلك المنفَّذة في تيقنتورين. - أمَّا ليبيا والتي تحولت إلى دولة فاشلة بحسب النظرية السِّياسية الواقعية وتعريفات العلاقات الدولية فإنَّ نشر الجزائر لقوات خاصة على الحدود الجغرافية معها والتي تقدر بأكثر من 982كلم،ونشر مجسَّات تكنولوجية عالية التقنية لمراقبة جماعات الجهاد التكفيري المتطرف كداعش والجماعة الإسلامية المقاتلة وغيرها.إذ رفعت الجزائر مؤخراً حالة التأهب الأمني لأقصى درجاته بعد الغارة الأمريكية على مصراتة،والتي خلفت 50قتيلا في صفوف تنظيم داعش الصهيوني وشدَّدت مراقبتها الأمنية من إليزي إلى واد سوف وذلك في 63نقطة مراقبة وتفتيش أمني،والجزائر تعول على استخدام حليفها القوي في ليبيا والمدعوم ومصرياً وحتى عربياً إلى حدٍّ بعيدٍ والذي قام بزيارة علنية إلى الجزائر قبل أيام والتقي فيها بمسئولين على مستوي أمنيٍ وسياسي رفيع في هرم الدولة،وحتى جريدة فاينانشيال تايمز البريطانية وفي مقال لباحثان جيسون باك وتوم دينام دعت دونالد ترامب صراحة وكل دول المنطقة إلى التحالف معه،وحثَّت أمريكا على أن يكون لها مبعوث خاص دائم إلى ليبيا لمجابهة النفوذ الروسي وعلى الجزائر أن تفعل ذلك أيضاً في ظلِّ الصراع المحموم على تقاسم السُّلطة والنفوذ الأمني والسِّياسي والطاقي في هذا البلد، باعتبار أنَّ الجزائر كقوة أمنية عظمى في المنطقة مستهدفة في أمنها الإقليمي القومي وعليها بالتالي أنْ لا تسمح بأمريكا أو غيرها أن تبسط نفوذها بشكل كامل على دولة مجاورة لها.ويمتد إليها نفوذها الاستراتيجي فيما يسمىَّ في العلوم العسكرية حدود الوجود والأمن،فازدياد المخاطر الأمنية على بلدان الضفة المغاربية والتي يحتل فيها مكافحة النشاط الإرهابي واستئصال شأفته والحدِّ من تجارة الأسلحة الغير المشروعة أولوية قصوى في أجندات العقيدة السِّياسية والأمنية الوطنية،فحماية الأمن الداخلي يبدأ من الخارج كما يعرف كل ضبَّاط الأمن والاستخبارات في كل دول العالم ومنها الجزائر،إذ لا يكفي امتلاك الجزائر لأرمادة متقدمة من الأسلحة المتطورة وأنظمة الصواريخ الباليستية والتجسُّس الالكتروني والإمداد الميداني اللوجستي وكذلك امتلاكها لفرق خاصة لمكافحة الإرهاب في ضمان الأمن الإقليمي المغاربي دون العمل على تمتين الجبهة الداخلية والإسراع في حل القضايا العالقة مع كل الدول المغاربية،بما فيها المغرب الشَّقيق لأنه مستهدف هو أيضاً في أمنه.فأمريكا وإسرائيل وفرنسا والإرهاب الدَّولي من مصلحتهم استمرار هذه الخلافات واللعب على المتناقضات لتغلغل في صمت وتدميرهذه الدول، لأن فالأمن المغاربي مرتبط عضوياً،ولا يمكن لجزائر النَّجاح في المحافظة عليه وضمان استقرار المنطقة المغاربية دون مساعدة الشُّركاء المحيطين بها إقليمياً.
*كاتب جزائري