2024-04-26 06:04 ص

استثمار امريكي

2017-11-04
بقلم: بطرس الشيني
عندما ضرب الإرهاب برج التجارة العالمي في نيويورك وقفت معظم دول العالم إلى جانب الولايات المتحدة لتقديم المساعدة و كان أهم تلك المساعدات هي المساعدات الأمنية التي ساهمت في كشف الخلايا الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة التي استهدفت عدة آلاف من المدنيين الأبرياء في أماكن عملهم ،التجاوب العالمي و التعاطف مع ضحايا برج التجارة العالمي كان له طابع إنساني بمجمله و هناك العديد من الدول التي قدمت المعلومات بلا ثمن و من الواضح بعد كل تلك السنوات إن الإدارات الأمريكية المتلاحقة استثمرت الجريمة و تنظيم القاعدة لتحقيق مكاسب سياسية و اقتصادية عبر العالم و هي حتى الآن لم تحارب أو تحاسب من قتل المدنيين الأمريكيين رغم الحملة الإعلامية الهوليودية المتعلقة بقتل بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في أفغانستان و ربما تكون الكارثة الكبرى ليست تلك التي حلت بحوالي خمسة آلاف مدني في برج التجارة العالمي بل بعشرات آلاف المدنيين خاصة في سورية و العراق و لبنان خلال السنوات الماضية عبر استثمار الإدارة الأمريكية في الأدوات الإرهابية التي أزهقت حياة المدنيين الأمريكيين و دفعها لتشكيل جيوش إرهابية دمرت و قتلت عشرات آلاف المدنيين و نسفت الإرث التاريخي لحضارات عمرها آلاف السنوات في سورية و العراق بدعم أوروبي أمريكي إسرائيلي تركي عربي بالمال و السلاح و الإرهابيين. مرت سنوات طويلة منذ أحداث /11/ ايلول و رغم هيبة و قوة أمريكا و سلطتها القضائية لم نسمع أنه تمت محاكمة وإدانة أي من له علاقة بالجريمة رغم أن جريمة بذلك الحجم من المفترض أن لها امتدادات دولية و ليست محصورة بمجموعة من الإرهابيين الهواة و في الحالات القليلة التي دار الحديث فيها عن محاسبة المسؤولين الكبار عن الجريمة تغيرت إلى نتائج تم فيها تحقيق مكاسب و صفقات اقتصادية و لكن ليس للتعويض عن الضحايا أو محاسبة الشركاء في الجريمة في الأسبوع الماضي طالبت روسيا بتشكيل لجنة تحقيق دولية لكشف أسباب وطريقة وصول الأسلحة الأمريكية والأوروبية الى تنظيم داعش وجبهة النصرة في سورية وقال وزير الخارجية الروسي أن الولايات المتحدة لاتحارب « جبهة النصرة » « القاعدة» في سورية بل تستخدمها لخدمة أهداف سياسية مستقبلية. هذه المطالبة والتصريحات الروسية لن تلاقي تجاوباً من الحكومات الغربية والأمريكية الشركاء في الحرب الإرهابية على سورية فقد أثبتت مجريات الحرب أن مالا تستطيع القاعدة وداعش القيام به تقوم به القوات الأمريكية والبريطانية و الفرنسية والإسرائيلية بشكل مباشر عبر طيران التحالف المتواجد بشكل غير شرعي في سورية أو عبر الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط وربما يكون الهجوم على جبل الثردة وقتل الجنود السوريين في العام الماضي وإفساح المجال أمام تنظيم داعش للسيطرة على الموقع وتطويق دير الزور خير دليل على التنسيق والدعم بين قوات التحالف وتلك المنظمة المصنفة على لوائح الإرهاب الدولي في مجلس الأمن والأمم المتحدة كما أن جميع من دربتهم أمريكا في برنامجها المعروف لتدريب ماتسميهم المعارضين التحقوا مع أسلحتهم الحديثة بتنظيم جبهة النصرة بعد انتهاء التدريب مباشرة باعتراف البنتاغون و الإدارة الأمريكية . بعد أحداث الحادي عشر من أيلول بفترة قصيرة خرج وزير خارجية أمريكا « كولن باول « بتصريح رسمي عبر التلفزيون يشكر سورية وتعاونها في مكافحة الإرهاب وقال : الولايات المتحدة تشكر تعاون سورية في كشف الخلايا الإرهابية وهذا ما أنقذ حياة آلاف الأمريكيين. التصريح المشهور اختفى من وسائل الإعلام بعد أيام قليلة ومن الواضح أن أي تقارب أمريكي سوري حتى ولو كان فيه إنقاذ حياة الأمريكيين لم يكن يصب في مصلحة إسرائيل واللوبي اليهودي المهيمن في الإدارات الأمريكية المتلاحقة وعوضاً عن ترجمة الشكر الذي تقدم به وزير خارجية أمريكا لتحسين العلاقات قامت الولايات المتحدة بإعادة تدوير واستخدام التنظيمات الإرهابية التي سبق وأنشأتها في أفغانستان لمحاربة الاتحاد السوفييتي أعادت تشكيلها بصيغة جديدة لمحاربة أية دولة في العالم غير تابعة في سياستها للغرب وأمريكا وهي تطلق عليهم لقب « ثوار » أو معارضة مسلحة ..وتصورهم في الإعلام على أنهم «مقاتلون من أجل الحرية » ولكنها تتجاهل ذكر صفة إرهابي طالما أن الضحايا غير أوروبيين أو أمريكيين في هذه الحالة فقط يصبح القاتل إرهابياً وهذه العنصرية المتطرفة في تصنيف الضحايا والمجرمين بحسب جنسية وعرق الضحية والقاتل هي سمة جديدة طبعت السياسة الأمريكية والغربية بشكل عام بطابعها. ويمكن لأي متابع ملاحظة كيف أن جميع السياسيين الغربيين وحتى البرلمانيين والإعلام الأمريكي الغربي يتجنبون حتى ذكر اسم «القاعدة » فذلك التنظيم لا يستهدف إسرائيل ولا أمريكا منذ وقت طويل بل يحظى برعاية اسرائيلية متميزة في ريف القنيطرة المحاذي للجولان المحتل لا بل انسحب الامر حتى على تجاهل ضحايا -11- أيلول إذ وبعد كل التحقيقات والجدل الداخلي الأمريكي وإطلاق ما يسمى «نظرية المؤامرة»ما زالت نتائج التحقيقات الأساسية سرية وغير مصرح عنها حتى لذوي الضحايا وهي ستبقى سرية طالما ان الولايات المتحدة تستثمر في الإرهاب ومموليه . الولايات المتحدة مخيفة ليس لأنها تمتلك قوة هائلة بل لأن إدارتها المتلاحقة كانت دوماً بلا أخلاق إنسانية.