2024-04-26 12:06 م

آيات الله لا قتلة الله

2017-12-13
بقلم: نبيه البرجي
استعادة أخرى لتلك الليلة، وقد جلسنا على الأرض في منزل رسام الكاريكاتور بهجت عثمان في القاهرة. رحنا، كمن يودع الأرض، ننتحب ونحن نصغي الى دموع أمل دنقل، وهو يقرأ علينا قصيدته «لا تصالح» التي استوحى فيها وصية كليب الى شقيقه الزير المهلهل، وقدكتبها بأصابعه المضرجة بالدم على شاهدة القبر.
كان أنور السادات قد فرغ للتو من القاء خطابه الذي أعلن فيه اعتزامه زيارة «اورشليم» بعدما كان شاع الكثير حول هذه الزيارة.
في الليلة اياها، اصطحبني الروائي يوسف القعيد الى شارع الهرم، حيث تنتشر الملاهي الليلية. كان الشارع يغص بالسيارات الفارهة التي تحمل لوحات خليجية، وينزل منها «أصحاب الكيف». قال لي «أمن أجل هذه الدشداشات يموت جنودنا؟».
قلت له ان بلدان الخليج حافلة بالناس الطيبين، وبالأدمغة النظيفة والمثقفة التي تحمل قضايا الأمة. علّق «هنا في القاهرة لا يرى الناس سوى أصحاب الدشداشات الذين لا قضية لهم سوى مفاتن فيفي عبده».
حين زار هنري كيسنجر مصر، ولكي يرى، عن كثب، الى أي مدى تطورت تكنولوجيا هز البطن في ديارنا، رقصت بين يديه، وكادت نجوى فؤاد ترقص بين رجليه.
كان الشارع المصري، المثقل بالعذابات المستــحيلة، مهيأ تماماً لتقبل قرار السادات القاء كلمة في الكنيست. علّ الزيارة تنقل غالبية المصريين من البؤس الى الرفاه.
من شدة حماسه للصلح، وعد الرئيس المصري (الراحل) مناحيم بيغن بتحويل جزء من مياه النيل الى صحراء النقب التي احتلها دافيد بن غوريون بعد أشهر (كانون الأول) من اعلانه قيام دولة اسرائيل.
لم يحدث الانتقال. لا بل ان الفوارق الطبقية أخذت منحى درامياً.
أحمد فؤاد نجم كتب عن اولئك الذين ينتظرون الخبز يهبط عليهم، على ظهور الحمير، من المريخ. حتى يصل لا مناص من البقاء تحت خط... العدم.
كانت هذه أحوال مصر. ماذا عن السعودية التي باتت على قاب قوسين من اعلان اقامة العلاقات مع اسرائيل (لا حالة حرب بينهما). لا تستبعدوا أن يشاهد بنيامين نتنياهو، ما دام اسحق واسماعيل قد تعانقا على الورق، وهو يطوف حول الكعبة. هنا هل يحق لنا أن نسأل لماذا يذكر الكتاب المقدس أن السيد المسيح من نسل داود لا من نسل ابراهيم؟ 
الرأي العام السعودي مهيأ، سيـكولوجياً، لتلك الساعة. قيل له أن الايرانيين خططوا، ومن خلال السيطرة على العراق واليمن، لغزو مكة. هاجسهم ليس تاريخياً، باستعادة فتوحات قوروش وكسرى انو شروان، بل وايديولوجي أيضاً. أن يرفرف العلم «الفارسي» على المسجد الحرام.
لا بأس أن يذهب المسجد الأقصى الى اشقائنا اليهود اذا كانت الغاية حماية «الحرمين الشريفين»، وعلى رأسهما حامي الحرمين الشريفين.
هذا الكلام يتردد علناً، ويتولى تسويقه كتبة البلاط. لا مشكلة اقتصادية في المملكة التي هي عضو في مجموعة العشرين. المشكلة وجودية، ولو بمد اليد الى الشيطان. في هذه الحال، ماذا يستطيع بنيامين نتنياهو تقديمه الى الأمير محمد بن سلمان؟ 
لا أحد ينفي مدى العصبية الايرانية. الشاه محمد رضا بهلوي قال لأحمد بهاء الدين «من هنا الى مصر... لا بشر».
هل يتصور ولي العهد السعودي ان الاسرائيليين يحاربون ايران من أجله، أم ان بامكانهم القضاء على «حزب الله» الذي تعرف شعبة الاستخبارات في هيئة الأركان الاسرائيلية أنه بات يمتلك ترسانة لا تقود فحسب الى «محرقة الدبابات» وانما أيضاً الى «محرقة الطائرات»؟
من يقول للأمير السعودي ان السيد حسن نصرالله ليس ايرانياً، ولا فارسياً، ولا يمكن أن يكون. هو عربي، عربي، عربي. هاجسه الاستراتيجي فلسطين الكبرى لا ديوان كسرى.
أليس جنوب لبنان أرضاً عربية، وقد حررها «حزب الله» ؟ وهل يتصور صاحب السمو أن الايرانيين هم من يهددون عروبة سوريا، وليس رجب طيب أردوغان الذي خاطبه أحد المشايخ اللبنانيين بالقول «ادخل الى دمشق فاتحاً أو غازياً»، دون أن يلفته أحد الى أن دمشق ليست القسطنطينية. يا رجل هي مدينة مدن العرب!
الآن، والأرض تقول ما تقوله، لا نعتقد أن أحداً من مستشاري البلاط يتجرأ على القول للأمير الشاب أن الرقصة العبثية ينبغي أن تتوقف. الحروب كلها لمصلحة ايران. لماذا لا يختبر تجميد (وتجميل) الصراع ؟
لا خيار أمامك، يا صاحب السمو، سوى أن تمد كلتا يديك الى آيات الله لا الى... قتلة الله.