2024-05-16 09:12 ص

فاعلية المقاومة الفلسطينية أجبرت إسرائيل على تحويل نظرية “الحسم في المعارك” إلى “النصر الكافي”

2022-10-22

أكدت دراسة علمية جديدة، اعتمدت على نظرية المسح والتحليل للأدبيات الإسرائيلية وكذلك عقيدة الأمن، أن فاعلية المقاومة الفلسطينية ودخول مرحلة الانتقال من محاربة الجيوش النظامية إلى الجيوش غير النظامية، قادت إلى تحول في النظرية الأمنية الإسرائيلية من تبني مفهوم “الحسم” إلى تبني مفهوم “النصر الكافي”.

وجاء ذلك في دراسة لمركز الزيتونة بعنوان: “نظرية الأمن في منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي الخلفية، والتحولات، والأسس”، والتي هدفت للتعرف على العقيدة الأمنية في دولة الاحتلال، وهي من إعداد الباحث الدكتور أشرف عثمان بدر، وعمل من خلالها الإجابة على سؤال مركزي يتعلق بماهية النظرية الأمنية الإسرائيلية، وأبرز التحولات التي طرأت عليها.

وجرى ذلك من خلال إجراء مسح للأدبيات والمصادر، بدءاً من عقيدة الجدار الحديدي التي نظّر لها زئيف جابوتنسكي قبل إقامة دولة الاحتلال، مروراً بعقيدة الأمن القومي التي وضعها ديفيد بن غوريون في خمسينات القرن العشرين القائمة على التجنيد إجباري وجيش احتياط من أفراد الشعب، وتحقيق الثالوث الأمني، والذي يتضمن: الردع، والإنذار، والحسم.

كما استندت إلى التقرير الذي أُعدّ سنة 2006 بواسطة لجنة رسمية برئاسة دان مريدور، واستراتيجية الجيش الإسرائيلي لسنة 2018، والمبادئ التوجيهية للأمن الإسرائيلي التي وضعها رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، ونظرية الأمن الإسرائيلي التي وضعها الجنرال المتقاعد يعكوف عميدرور.

ويؤكد مركز الزيتونة، أن أهمية هذه الدراسة تكمن في استعراضها وتحليلها لمصادر أولية لم تتطرق لها معظم الأدبيات المنشورة، وتجادل الدراسة بحصول تغيّرات وتحولات في النظرية الأمنية الإسرائيلية، كنتيجة لفاعلية المقاومة وتأثير القوى الإقليمية، وانعكاس ذلك لانتهاج استراتيجيات وخطط أمنية متنوعة، قائمة على تعزيز الردع، كما تكمن أهميتها في استعراض التناقضات الداخلية، التي تضعف الفرضية السائدة بأن منظومة الاستعمار الاستيطاني عبارة عن بنية ثابتة، ويعزز الادعاء بأن الاستعمار الاستيطاني عبارة عن “عملية متغيرة ومسار متطور”، يخضع لتأثير الفاعلين الداخليين والخارجيين والتنقاضات الداخلية، ويحكمه منطق السعي للتحكم والضبط والسيطرة.

وتشير الدراسة إلى أن الاستيطان، والأمن القومي لهما علاقة بنظرية الأمن الإسرائيلي، وأن فاعلية المقاومة والتغيير من محاربة الجيوش النظامية إلى الجيوش غير النظامية قادت إلى تحول في النظرية الأمنية من تبني مفهوم الحسم إلى تبني مفهوم النصر الكافي.

وأوضحت أن هذا التغير ما كان سيحصل لولا صمود المقاومين وإصرارهم المرة تلو الأخرى على إعادة ترتيب صفوفهم، بعد الضربات العسكرية التي تعرضوا لها، وبالرغم من التفوق النوعي للقوات الإسرائيلية.

وأوضح الباحث أن الجيش الإسرائيلي تبنى استراتيجيات تسهم في تحقيق “النصر الكافي” لا الحسم، بهدف إيجاد حالة من الردع كـ”استراتيجية المعركة بين الحروب، وجزّ العشب، وعقيدة الضاحية. كما أنه أضاف عنصر الدفاع، القبة الحديدية وبناء الملاجئ، لصدّ هجمات الفدائيين والمقاومين، وحرب السايبر في هذه الاستراتيجية”، وأشار إلى أن اعتماد إسرائيل استراتيجية “عقيدة الضاحية” لا يعود فقط إلى تحقيق حالة من الردع، أو لترميم الردع المتآكل، وإنما يعود أيضاً لـ”ضعف المستوى الاستخباراتي، الإنذار المبكر، وعدم قدرة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على توفير معلومات دقيقة عن المقاومة، مما يقلِّص من بنك الأهداف لسلاح الجو الإسرائيلي”.

وأضاف أنه تمثلت التغيرات والتوجهات في بيئة الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي على المستوى الخارجي، بثورات الربيع العربي والتطبيع، وعلى المستوى الداخلي؛ بتزايد حدّة الشروخات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والداخلية، مما دفع صانعي القرار إلى إضافة بعض الأسس المتعلقة بحماية الجبهة الداخلية.

وأشارت الدراسة إلى أن غادي آيزنكوت ركّز في خطته على ضرورة الاهتمام بما أسماه الأمن الاجتماعي، لزيادة المناعة الأمنية، ومنع الخطر الوجودي الذي يتهدّد إسرائيل، وأن الأمر نفسه دفع دان مريدور في تقريره للدعوة إلى تعزيز الجيش النظامي داخل الجيش الإسرائيلي وتوسيع مفهوم “جيش الشعب” الذي وضعه بن غوريون، بحيث يشمل الخدمة المدنية، في محاولة لتجسير الفجوة بين المتديّنين والعلمانيين، وكاستجابة للدعوات بـ”المساواة بالعبء” بين المتدينين الذين لا يخدمون بالجيش، والعلمانيين الذين يقع على عاتقهم عبء التجنيد الإجباري.

وتخلص الدراسة إلى استنتاج يعزز الادعاء بأن منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي يحكمها منطق التحكم والضبط والسيطرة، وبأن سياساتها عبارة عن مسار وعملية متطورة تخضع لتأثير الفاعلين، وأن تعديل وتطوير مبادئ الأمن القوي الإسرائيلي يهدف إلى ضمان وجود إسرائيل، وإيجاد رادع مفيد، وتقليل التهديدات، وتأجيل النزاعات، وتبني المفهوم العسكري الهجومي، والتأثير على موازين القوى في المنطقة، وتعزيز الوضع الاستراتيجي لإسرائيل.

كذلك أصدر المركز ورقة علمية بعنوان: “القوة العقيمة في تحديد المستقبل الإسرائيلي”، حيث طبّق معد الورقة الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي، خبير الدراسات المستقبلية، مفهوم “القوة العقيمة” على إسرائيل، فأشار إلى أنه على الرغم من كل ما أنجزته من المشروع الصهيوني؛ من سيطرة على الأرض، أو اختراقات للبيئة العربية، أو تفوق عسكري وتقني على المنطقة العربية، إلا أن كل ذلك لم يوصلها إلى “الإقرار بشرعيتها التامة وغير الملتبسة، ولا إلى التخلص من المواطنين الفلسطينيين الذين يفوق عددهم عدد اليهود في فلسطين التاريخية، ولا وقف المقاومة ولا تخفيف أعباء الدفاع عن ذاتها، ولا القدرة على رسم صورة إيجابية لها في بيئتَيها الإقليمية والدولية”.

وأشار إلى التشققات الاجتماعية في جدران إسرائيل من الداخل، وقال إن هذا يعزز فكرة أن القوة التي تمتلكها إسرائيل هي “قوة عقيمة لم توصلها لمرحلة الانتقال للدولة الطبيعية، وهو ما نراه مقدمة لإعياء قد يأخذها في طريق كافة أنماط الاستعمار الاستيطاني المشابه لها، خصوصاً من الجوانب الديموجرافية، والجيوسياسية، والجيواستراتيجية”.

وأوضحت الورقة أن إسرائيل، من جانب آخر، تشعر بالقلق مستقبلاً من مصادر جديدة مثل: الخطر الإيراني، والمخاوف من انعكاسات التخلي الأمريكي التدريجي عن أولوية الشرق الأوسط، مقارنة بالأقاليم الجيواستراتيجية لها، كما تقلق من احتمالات انقلاب النزعة التركية تجاه إسرائيل، خصوصاً نتيجة علاقة رجب طيب أردوغان بالحركات الإسلامية ونزعة السيطرة على حوض المتوسط، ثم الخوف مما يستبطنه المجتمع العربي الرافض للوجود الإسرائيلي بشكل لا لبس فيه، ثم استمرار المقاومة الفلسطينية ولو بين مدٍّ وجزر ولكنها لم تتوقف.

المصدر: القدس العربي