2024-04-27 12:16 م

الحرب الإسرائيلية على غزة..استفسارات مشروعة

بقلم: لواء محمد ابراهيم الدويري
أثارت عمليتا «طوفان الأقصى» و«السيوف الحديدية» العديد من المتغيرات التى أدت إلى خلط الأوراق على المستويين الإقليمى والدولى، وطرحت فى نفس الوقت مجموعة مهمة من الاستفسارات التى يصعب على أحد أن يجد الآن إجابات متكاملة عنها، حيث إن الحديث عن مستقبل مابعد انتهاء الحرب يحمل فى طياته الكثير من التكهنات والاحتمالات أكثر مما يحمله من سيناريوهات منطقية قابلة للتحقيق.

وفى هذا السياق من الضرورى أن نحدد أهم الاستفسارات التى يجب أن نبحث عن إجابات لها من الآن وهى: متى وكيف يمكن أن تنتهى هذه الحرب؟ وهل هناك أى أفق على انتهاء العمليات العسكرية التى اقتربت من نصف عام منذ انطلاقها ؟. هل يمكن لإسرائيل أن تحقق الأهداف التى حددتها منذ البداية وتحديدا القضاء على البنية العسكرية لحماس؟ وهل سيتم اجتياح رفح دون خطة توافق واشنطن عليها ولاسيما بالنسبة لإخلائها من السكان والنازحين البالغ عددهم أكثر من مليون؟. هل ستؤدى نتائج هذه الحرب إلى دفع إسرائيل لأن تعيد التفكير فى موقفها المتشدد تجاه عملية السلام وتتجه إلى مفاوضات جادة تؤدى إلى تنفيذ مبدأ حل الدولتين حتى على مراحل؟. هل ستخرج حماس من هذه الحرب عسكريا وسياسيا وشعبويا، كما كان وضعها قبل السابع من أكتوبر الماضى؟ وهل ستندمج فى المنظومة الوطنية الفلسطينية وتتجه إلى مصالحة حقيقية تكون فيها واحدة من مكونات هذه المنظومة بما لها من حقوق وعليها من التزامات؟. هل يمكن للسلطة الفلسطينية أن تستوعب الدروس المستفادة من هذه الحرب التى أثبتت أن تأثيرها السياسى محدود لأسباب ليست مسئولة عنها كلها، ولكن على الأقل عليها أن تبدأ عملية تقييم لكيفية أن يكون لها دور رئيسى فى المرحلة المقبلة وأن تثبت للجميع أنها الشريك الذى لاغنى عنه فى عملية السلام عند استئنافها؟. وهل يمكن للدول العربية أن تبلور رؤية سياسية واقعية لحل القضية الفلسطينية تتحرك على أساسها وتكون قادرة على إقناع المجتمع الدولى بها، بل وتضغط بها على المجتمع الإسرائيلى؟. هل يمكن للإدارة الأمريكية الحالية أن تبدأ مرحلة جديدة تقود إلى تنفيذ تدريجى لمبدأ حل الدولتين؟ أم أن الأمر سوف ينتظر نتائج انتخابات الرئاسة واحتمالات عودة الرئيس ترامب إلى الحكم ومن ثم إحياء صفقة القرن المجحفة تماماً بالحقوق الفلسطينية؟. هل يمكن للمجتمع الدولى أن يعالج عجزه أمام الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التى يعانيها 2٫3 مليون فلسطينى ولايقتصر دوره على مسألة إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع؟. هل يمكن أن تعود القضية الفلسطينية إلى دائرة الحلول الفعلية ولا تكتفى بأن تكون مجرد ضيف الشرف المعتاد فى المحافل المختلفة؟. هل يمكن أن يحقق اليوم التالى لانتهاء هذه الحرب مصالح الشعب الفلسطينى؟ أم أنه سيكون فرصة لتحقيق مصالح العديد من الأطراف ليس من بينهم الجانب الفلسطينى؟. من هى تلك الأطراف الرئيسية المخولة برسم مستقبل غزة فى اليوم التالى؟. ولاشك فى أن الإجابة عن هذه الاستفسارات التى أعلم مدى صعوبتها سوف ترسم خريطة الطريق للمرحلة المقبلة ليس فقط فى مجال حل القضية الفلسطينية ولكن أيضاً بالنسبة لاستمرار النهج الأمريكى والإسرائيلى الهادف لإدماج إسرائيل فى المنظومة الإقليمية فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية وتحديدا فيما يتعلق بمحاولات الدفع فى اتجاه تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، مع الأخذ فى الإعتبار أن الموقف السعودى كان حاسماً عندما ربط التطبيع بحل القضية الفلسطينية. ورغم جميع التعقيدات المرتبطة بالوضع الحالى فى المنطقة بصفة عامة وكذا بالنسبة للحرب على غزة وواقعها الكارثى وتأثيراتها وتداعياتها الراهنة والمستقبلية، فإننا يجب ألا نفقد الأمل فى أن نحول هذه المحنة إلى منحة ولكن بشرط أن تتسلح الأطراف المؤثرة بإرادة صلبة وتتحرك نحو معالجة الأسباب الحقيقية التى ساهمت فى تفجير الأوضاع، والعمل على حلها جذرياً قدر المستطاع حتى لاتتكرر هذه المأساة.

ومن واجبى هنا أن أحذر من أن التعامل مع هذه الأحداث بسطحية لن يكون سوى محاولة تسكين مؤقت لأوضاع معوجة قائمة منذ عقود عنوانها الاحتلال الإسرائيلى للمناطق الفلسطينية، وبالتالى فإذا كانت المعالجات ستقتصر على الجوانب الشكلية فإن علينا أن نهيئ أنفسنا لانفجارات عنيفة قادمة وسوف تكون الضفة الغربية هى الخطوة التالية وستكون هى الأعنف، ولن يستطيع أحد احتواءها وسوف تؤثر بقوة ليس فقط على الأمن الإسرائيلى ولكن على الأمن الإقليمى ككل. الخلاصة واضحة تماماً وتتمثل فى أن هناك إجماعا على أن القضية الفلسطينية تعد أساس الاستقرار فى المنطقة ودون حلها سوف تظل دائرة العنف قائمة فى غزة والضفة الغربية والقدس وإسرائيل وبعض الجبهات الأخرى التى انطلقت عقب أحداث غزة، وسوف تتسع دائرة الصراع وتدخل فى مسار غير محسوب وهذه هى المعادلة التى لاتحتاج إلى جهد لقراءتها. إن الرسالة التى أؤكدها مرارا أن الأمن الإسرائيلى لن يتحقق مطلقا بالوسائل العسكرية مهما بلغت حداثتها ومهما طال أمد الدعم أو التحيز الأمريكى، وأن المدخل الوحيد لدمج إسرائيل فى المنطقة بالشكل الذى تريده هو بوابة الدولة الفلسطينية ومن خلال مفاوضات جادة تحقق الأمن للجميع، وهنا أطلب من أى حكومة إسرائيلية مطلبين رئيسيين، الأول طرح رؤيتها الواقعية وليست المتطرفة لمستقبل عملية السلام، والمطلب الثانى أن تقف عند الدروس المستفادة من الحرب على غزة ولكن فى نطاقها الأوسع وليس فى نطاق الهدف المقصور على ضرورة القضاء على حماس.