2024-05-03 07:30 م

تنظيم "شبيبة التلال" الاستيطاني: إرهاب ضدّ السكّان الفلسطينيين الأصليين برعاية الحكومة الإسرائيلية

من بضع عشرات يخطّون بين فترة لأخرى شعارات معادية للعرب على المركبات وجدران المنازل، إلى آلاف يشنون هجمات منظمة ودامية على قرى فلسطينية ويقتلون ويسلبون ويحرقون المنازل ويؤسسون بؤراً استيطانية خاصة بهم تشكل مراكز انطلاق، هكذا تحول تنظيم "شبيبة التلال" الاستيطاني الإرهابي خلال أكثر من عقدين على انطلاقه في جبال الضفة الغربية المحتلة.

وقاد التنظيم الإرهابي أخيراً هجمات هي الأعنف والأكثر وحشية، استهدفت عدة قرى فلسطينية على طول الشريط الشرقي للضفة، وتخللها قتل 4 فلسطينيين وحرق عشرات المنازل والمركبات وإعدام أغنام في حظائرها.

وفي قرية دوما المنعزلة جنوب شرق مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، بدا مشهد الخراف الصغيرة والأغنام المقتولة جميعاً داخل حظيرة لمزارع فلسطيني، إشارة دامية إلى شكل الإجرام الذي يمكن أن يقدم عليه مستوطنو التنظيم. وهي مذبحة ليست وليدة الهجوم الأخير بل امتداد لسلسلة عمليات قتل وترويع وتدمير استهدفت طوال السنوات الأخيرة مواشي الفلسطينيين ومصالحهم في المنطقة الزراعية والرعوية الأوسع في الضفة.

ما الذي نعرفه عن تنظيم فتية التلال الإرهابي الآخذ بالتوسع؟
في عام 1998 أطلق وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك آرييل شارون دعوة للمستوطنين إلى "الاستيلاء على تلال الضفة الغربية". اليوم يرتدّ صدى الدعوة في صورة جرائم إرهاب على يد التنظيم الاستيطاني الذي ظهر لأول مرة في ذلك الحين وسُمِّي "شبيبة (أو) فتية التلال".

بعد 25 عاماً، استلهم وزير الأمن القومي الحالي المتطرف إيتمار بن غفير دعوة شارون تلك، وقال: "سارعوا إلى التلال واستوطنوا"، في خطاب دموي من بؤرة "أفيتار" الاستيطانية المقامة على أراضي الفلسطينيين في بلدة بيتا جنوب نابلس. 

وبمرور السنوات أصبح التنظيم يضم تياراً جارفاً من المستوطنين المتشددين المتفرغين للهجوم على الفلسطينيين والاعتداء على ممتلكاتهم. وينتشر اليوم في بؤر استيطانية خاصة في جميع أنحاء الضفة الغربية.

يتخذ التنظيم مركزاً رئيسياً في سلسلة الجبال الشرقية للضفة الغربية انطلاقاً من صحراء القدس والخليل جنوباً إلى الشريط الشرقي لمحافظة رام الله في الوسط، وصولاً إلى المناطق الجنوبية الشرقية لمحافظة نابلس شمالاً. وقد أقام عشرات البؤر الاستيطانية في هذا المنطقة الواسعة والخصبة، على أنقاض نحو 20 قرية رعوية وتجمعاً بدوياً فلسطينياً شكلت منذ الأزل هوية البادية الفلسطينية في المنطقة، قبل أن تتعرض لواحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي والتهجير الجماعي بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. 

تجمّع المعرجات الذي اكتسب تسميته نسبة إلى طريق متعرج يربط محافظتي رام الله وأريحا ويشكل ممراً برياً رئيسياً للفلسطينيين باتجاه المعبر الحدودي مع الأردن، كان أحد التجمعات التي تعرضت للإبادة. وقد هُجِّرت عائلاته الـ25 وتشتت في مناطق أكثر عمقاً في الضفة، هرباً من إرهاب المستوطنين. ولا تزال بيوت التجمع قائمة حتى اليوم، لكن بعض عناصر التنظيم الإرهابي استطونوا فيها، ويمنعون أصحاب البيوت الأصليين من العودة.

وتصنف الأمم المتحدة أبناء العشائر البدوية الفلسطينية من بين الشعوب الأصليين في العالم، ومن السكان الأصليين للشرق الأوسط والأراضي الفلسطينية على وجه الخصوص، لكنهم كانوا الهدف الأبرز لمخططات الطرد وعمليات الإرهاب والترويع والقتل والسلب التي قادها المستوطنون خلال السنوات الأخيرة.

عبد الحفيظ أبو فزاع، وهو بدوي فلسطيني، استغرق سنوات طويلة في ترميم خيامه وتقويتها لمواجهة رياح الشتاء في تجمّع المعرجات المقام في منحدرات الأودية والتلال شرقي الضفة، لكن المستوطنين استولوا على بيوته بعد طرده منها في هجمات ما بعد 7 أكتوبر.

يقول أبو فزاع لـ"العربي الجديد": "عندما أمرّ من طريق المعرجات يمكنني رؤية بيتي والحظائر التي عملت لسنوات في إقامتها. أرى المستوطنين الغرباء يتجولون فيها. يركنون مركباتهم في المكان الذي كنت أركن فيه مركبتي الزراعية. إنه شعور مؤلم وقاهر".

ويستولي التنظيم اليوم على كامل المساحة الشاسعة شرقيّ الضفة من خلال سلسلة بؤر استيطانية في الأراضي الزراعية التابعة للقرى الفلسطينية شرقيّ محافظة رام الله وجنوب شرق نابلس. وأصبح على تماس مباشر مع قرى المنطقة مثل المغير ودوما وقصرة وعقربا وكفر مالك ودير جرير والطيبة ورمون ودير دبوان وبرقة.

وتعرّض جزء من هذه القرى خلال الآونة الأخيرة لهجمات هي الأعنف، دفع فيها الفلسطينيون ثمن إفلات المستوطنين من العقاب بأرواحهم، إذ استشهد 3 من أبناء قريتي المغير وعقربا، فضلاً عن قتل المواشي وتدمير البيوت والمركبات وحرقها.

ويقول مدير البحث الميداني في منظمة "بيتسيلم" الحقوقية كريم جبران لـ"العربي الجديد"، إن عنف المستوطنين أصبح ظاهرة منتشرة وتتعمق كل يوم. "العنف الذي كنا نوثقه قبل عدة سنوات ليس العنف الذي نوثقه اليوم. في السابق كانت مجموعات صغيرة تقوم بعمليات تخريب ورسم شعارات تحريضية ضد العرب. لكن في هذه الأيام نلاحظ أن الهجمات أصبحت منظمة أكثر ويشارك فيها أعداد أكبر من المستوطنين تهاجم القرى والتجمعات بشكل ممنهج"، يضيف.

وفي عدة اعتداءات وثقها "العربي الجديد" للمستوطنين على التجمعات البدوية خلال السنوات الأخيرة، كان أفراد التنظيم الإرهابي يرددون عبارات بشكل متكرر من قبيل "هذه الأرض أعطانا إياها الله"، "هذه الأراضي كلها لنا"، "ارحلوا إلى الأردن"، خلال احتكاكهم بالسكان الأصليين. وهم بذلك لا يعارضون فكرة طرد الفلسطينيين من المناطق المصنفة "C" فحسب بل يضعون أيضاً صوب أعينهم السيطرة على كامل الضفة.

وقال الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) وليد حباس: "اليوم ورغم أن الضفة الغربية مصنفة كأرض محتلة حتى وفق الإجراءات الرسمية الإسرائيلية، إلا أن المستوطنين التوراتيين لا يريدون ذلك. يريدون ضمها كاملة. لذا فعنف المستوطنين حالياً هو جزء أساسي من مشروع الاستيطان الإسرائيلي وليس شيئاً طارئاً ومستجداً عليه".

وأضاف حباس لـ"العربي الجديد"، أن فئات توراتية عقائدية تنظر إلى الضفة الغربية على أنها "أرض إسرائيل"، وقال: "أرض الميعاد بالنسبة إليهم هي ليست نتانيا ولا الخضيرة ولا تل أبيب، بل "شخيم" (نابلس) و"حيفرون" (الخليل) و"يريحو" (أريحا) و"يروشلايم" (القدس) وكل جبال الضفة. بالتالي هنالك مركب آخر غير العنف، وهو التوارة والعقيدة".

السيطرة على الدولة
وفي خلفيات نشوء عنف المستوطنين وتوسع الجماعات الإرهابية التي تشكلت في الضفة كـ"شبيبة التلال"، يقول حباس إن لحظة التحول الأهم كانت في فترة اتفاق أوسلو عندما تخلت الحكومة الإسرائيلية عن جزء من الضفة الغربية ومنحته للحكم الذاتي للفلسطينيين، لافتاً إلى أن التيار التوراتي لدى المستوطنين نظر إلى ذلك "كخطيئة ربانية يعاقبون عليها".

أما التحول الآخر الأهم، بحسب الباحث، فهو انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة. "هنا كان المشهد الدرامي الأكبر في تاريخ المستوطنين، وبعده طرأت أفكار وتحولات لديهم، فحواها احتلال الدولة العميقة والجيش والسيطرة على المؤسسات التي أخلتهم من غزة. بالتالي كل الدولة هي الآن ترعى المشروع الاستيطاني"، قال حباس. 

واليوم، يملك تيار المستوطنين هذا، ذراعاً وازنة في الحكومة الإسرائيلية الحالية، متمثلاً بوزيري المالية والأمن القومي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في تقرير سابق إن "شبيبة التلال" يستمدون تصرفاتهم من علاقتهم بوزراء ونواب كنيست على علاقة متواصلة معهم.

وذكرت الصحيفة إن "ثمة علاقة وثيقة بين مقربين من بن غفير ومجموعة "شبيبة التلال"، إذ كان الوزير بن غفير محسوباً في السابق على تلك الجماعات".

وقال جبران إن هجمات المستوطنين "ما كانت لتكون لو لم يكن هنالك تعاون من قبل الجهات الرسمية الإسرائيلية معهم. هناك تعاون وثيق بين الجيش والمستوطنين. في كثير من الحالات يكونون كتفاً إلى كتف في استهداف الفلسطينيين". وأضاف: "اليوم هنالك مستوطنون متسلحون بعقيدة فاشية وتوجد رعاية لهم من قبل الدولة. هذا سيشكل خطراً كبيراً على الفلسطينيين في المستقبل".

مستقبل قاتم
وأحدثت هجمات المستوطنين التي تتوسع عاماً بعد عام وتستهدف بشكل منتظم الممتلكات والمحاصيل الزراعية والأراضي، حالة من انعدام اليقين وخليطاً من اليأس والخوف الدائم بين الفلسطينيين، وخصوصاً في المناطق الأكثر خطراً والتي على تماس مباشر مع البؤر الاستيطانية، جنباً إلى جنب مع حالة ضيق غير معهودة في حرية التنقل والعيش بأمن.

وقال حباس إن المشروع الاستيطاني وصل إلى 525 ألف مستوطن في الضفة، بما يعني أن أمام كل 6 فلسطينيين يوجد مستوطن، "ولكن المستوطنين يتطورون بشكل سريع وخطتهم الوصول إلى تعداد مليون في 2030. لا أعتقد أن هذا قابل للتطبيق، لكنّ جزءاً كبيراً منه قابل. سيكون هناك ازدياد وارتفاع في مصادرة الأراضي".

وأضاف: "عندما تصل نسبة الفلسطينيين للمستوطنين في الضفة 2 إلى واحد. هذا يعني أن الضفة ستتحول أمام العالم إلى منطقة متنازع عليها وليست منطقة محتلة، وهذا سيزيد عنف المستوطنين بشكل كبير". وأشار إلى أن ما يقرب من ثلث المستوطنين في الضفة يتبعون للصهيونية الدينية التي يتزعمها الوزير سموتريتش، وهو التيار نفسه الذي يقود العنف والإرهاب.

ويعيش هؤلاء المستوطنون المنتمون إلى "شبيبة التلال" في مجموعات داخل البؤر الاستيطانية المنتشرة في الضفة وقرب الشوارع الاستيطانية، ويقتنون أبقاراً وأغناماً، جزء منها سُرق من المزارعين الفلسطينيين. ويعمل قادتهم على تجنيد فتية لرعي بالأغنام في أراضي القرى ومحاصيلها، بهدف التخريب.

وقال حباس: "عندهم ثقافة النزول إلى الشارع والضرب والاعتداء وسرقة محاصيل الزيتون، وحتى قتل الفلسطينيين. يحملون السلاح باستمرار، ويذهبون إلى مدارس دينية عسكرية تحضّرهم لحمل التوراة باليد اليمين والسلاح باليد الشمال، ويُعلَّمون أن الفلسطينيين غير أصحاب أرض ومعتدون".

ورغم فرض عدد من الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة عقوبات على مستوطنين متورطين بالهجمات، أغلبهم من أفراد التنظيم الإرهابي، إلا أن اعتداءاتهم زادت بشكل ملحوظ. ووثق "العربي الجديد" أكثر من جريمة تواطأت فيها الشرطة الإسرائيلية مع المستوطنين المهاجمين دون وجود أي حالة مواجهة مع الفلسطينين، إحداها كانت في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عندما هاجم مستوطنون يستقلون مركبة دفع رباعي خيمة لعائلة فلسطينية في منطقة نائية شرقي رام الله، وشرعوا بتحطيم ممتلكات العائلة وألواح طاقة شمسية تستخدمها العائلة في توفير الكهرباء، نظراً لمنع الاحتلال وصول خطوط كهرباء حكومية إليها. في لحظة الهجوم كانت قوة من الشرطة في موقع مطل على مسرح الهجوم، واكتفى أفرادها بمشاهدة التخريب والتدمير والتنكيل بالعائلة لقرابة 15 دقيقة دون التدخل. وانتهى الهجوم الدامي إلى رحيل العائلة في الأيام التالية.

ويرى حباس أن "عنف المستوطنين لا يتم من خلال مجموعة متطرفة تحيد عن النهج العام ويمكن ضبطها"، وقال: "هذا سيكون المشهد اليومي للضفة الغربية. لا يوجد أي تصور آخر يوحي أنه سيتراجع ويمكن ضبطه خصوصاً أنهم الآن هم الدولة". وأضاف: "في 2023 قتل 15 فلسطينياً برصاص المستوطنين، بمعنى أن مستوطناً كان يسير في الطريق رأى فلسطينياً وقتله ثم عاد إلى البيت. هذا المشهد سيتكثف في السنوات القادمة".