2024-05-17 06:32 م

أسامة العيسة... وعود سان ريمو!

2020-04-29
نشر الشاعر الفلسطيني الدكتور قيصر خوري، قصيدة بعنوان: شعب المسيح وأحمد يتفجع، في مجلة الحكمة، العدد الثالث، السنة الخامسة الصادر في نيسان 1930، والمناسبة مرور عقد على عقد مؤتمر سان ريمو.

تصدر مجلة الحكمة عن دير مار مرقص للسريان الأرثوذكس في القدس، وتعنى بإحياء التراث السرياني.

يقول خوري في قصيدته الموجهة "إلى جلالة الملك جورج":

شعب المسيح وأحمد يتفجع فالقدس في جزع ومكة تدمع 

يا ويح سان ريمو فإن قرارها من هوله تبكي الجهات الأربع

شلوا البلاد وقطعوا أوصالها وقلوبنا من جورهم تتقطع

أشار خوري، أسفل قصيدته إلى فلسطين، ما يفهم أنها المكان الذي كتبت فيها القصيدة، أو الرسالة الموجهة منها: "إلى ملك العدالة". وخورينا هذا، ليس اللبناني المهجري الشاعر المدني، شقيق الشاعر القروي.

في عددها الصادر في أيار 1995، أعادت الحكمة نشر قصيدة الدكتور خوري، مبررة إعادة النشر: "من أجل اطلاع القارئ عما كان ينشر من قصائد رائعة في تلك الفترة"، والمقصود بين السطور، أنه في زمن ما كان الوجع الفلسطيني واحدًا، إسلاميًا- مسيحيًا، وهو ما يعني أن الوحدة الوطنية شُرخت بشكل أو بأخر، ما يجعل من إعادة نشر قصيدة وطنية، ضرورة شعرية- وطنية كما يمكن تخمين وجهة نظر المجلة.

وبسبب الغرض من إعادة النشر يمكن للقارئ أن يغيب عنه المناسبة التي نظمت فيها، وأكد فيها الشاعر:

فيها لنا قبر المسيح ومسجد أقصى ومهد بالتواضع أرفع

هذي شهود يوم ينفخ في الورى صور القيامة والحقيقة تصدع

2

في 25 أبريل 1920 وقعت معاهدة سان ريمو التي حددت مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية في المشرق العربي. تسلمت فرنسا من المؤتمر صك الانتداب على سورية ولبنان، ومنح صك آخر إلى بريطانيا لتحكم فلسطين والأردن والعراق. وبموجب الاتفاقية احتفظت بريطانيا بولاية الموصل، لكنها تعهدت بتسليم 25% من نفط الموصل المرتقب إلى فرنسا. فيما تعهدت فرنسا بتأمين توصيل نفط بريطانيا عبر سورية إلى البحر المتوسط. وتبنى وعد بلفور تأسيس دولة يهودية في فلسطين، بحضور وزير الخارجية البريطاني صاحب الوعد الذي سيضيف إليه العرب صفة المشؤوم.

فرنسا، لأسباب استعمارية خاصة بها، رفضت دمج وعد بلفور في قرارات المؤتمر، الذي حضره وفد يهودي، إلا إنها رضخت لضغوط بريطانيا، مصالح مقابل أخرى.

رفضت فرنسا وبريطانيا قرارات المؤتمر السوري الذي التأم في 8 مارس 1920، وأعلن استقلال سورية الطبيعية بما فيها فلسطين، ورفض إنشاء وطن قومي لليهود فيها، وأنشأ حكومة تكون مسؤولة أمام المؤتمر باعتباره مجلساً نيابياً، ضم ممثلين للشعب في سورية ولبنان وفلسطين، وتنصيب الأمير فيصل ملكًا على البلاد.

في فلسطين التهب الوضع. اندلعت انتفاضة في القدس مع بدء موسم النبي موسى، ووصول وفد محافظة الخليل المهيب إلى باب الخليل، وهو ينشد الأناشيد الوطنية. تحولت ساحة باب الخليل إلى منصة للأفندية ألقوا فيها خطابات منددة بالوعد المشؤوم، وهذا دورهم، بينما تولى النَّاس إلقاء الحجارة على محلات اليهود، من الحجارة المخصصة لرصف الساحة، وأدى وجود سلاح في متناول اليد، إلى استعار المعركة، التي قُتل وجرح فيها عدد من العرب واليهود.

3

بينما كان نجيب نصّار، الذي سيلقب بشيخ الصحافيين الفلسطينيين في مكتبه في مدينة حيفا يستقبل التلغرافات، وصلته نتائج مؤتمر سان ريمو، وعلى الأرجح كتم غضبه للتعبير عن صدمته بالسخرية، فعنون صحيفته:

"طلع ما أصعب نصه تلغراف سان ريمو

واللي يقول لك ما بيخصه ربنا لا يعينه".

ورغم هذه البديهة والألمعية لدى نصّار، إلَّا أنّه في الواقع نظم عنوانه على لحن فنان الشعب سيد درويش: طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة.

في مدينة القدس، اطلع الفنان واصف جوهرية على عدد جريدة الكرمل أعلاه صدفة. يذكر: "وفي الحال، وبصفتي فناناً، تجلت الفكرة في مخيلتي فألّفت بعض الأبيات بالإضافة إلى الترديدة المذكورة أعلاه".

وهذه الأبيات المغناة نشرها جوهرية في الجزء الثاني من مذكراته التي صدرت بتحرير وتقديم عصام نصار وسليم تماري في القدس العام 2005، ويمكن مراجعة نصها كاملاً في الكتاب:

ما قريتش يا خويا أخيرًا في جريدة الكرمل

مصيبتنا السودة بتعيين المستر صموئيل

ومن في الدنيا ما سمعشي دلال بيدلل

واللي ما يعجبوش من الصبح يحمل

لا تقول مسيحي ومسلم ما دام باعونا

كيف بدنا بكرة نسلم للي اشترونا

بدال عن اسم أنور وجمال حكمونا

شبتاي وشلوم وحايم يكرهونا

نجحت الأغنية وأصبحت تُطلب من واصف في حفلاته، لكن الأغرب أن الحاكم العسكري البريطاني رونالد ستورس طلب من واصف الذي كان يعمل في دائرته، أن يغنيها في حفلة أقامها في مقره، والأغرب الأغرب أن ستورس طلب من واصف أن يغنيها في حفلة أقامها السير هربرت صموئيل اليهودي الصهيوني والذي يأتي ذكره في الأغنية، في قصر الاوغستا فكتوريا (المطّلع) على جبل الزيتون، ورغم شعور واصف بالحرج الشديد إلّا أنّه غناها بينما تولى ستورس ترجمتها لصموئيل.

ويبدو أن صموئيل لم يغضب وكانت الأغنية بداية علاقة بين المطرب المتأسي على مستقبل بلده، وبين الصهيوني الذي يعمل لصالح المشروع الصهيوني، فكان يرسل سيارته لتأتي بواصف إلى المطّلع ليحيي ما يسميها واصف ليالي السمر.

يفخر واصف بأنه في أغنيته: "كأنه نزل علي الوحي من سنة 1920 فصورت الواقع عن مستقبل الوطن العزيز".

3

بعد قرن، بالتمام والكمال، سيعلن رئيس حكومة الاحتلال، بأنه سينفذ الوعد بتطبيق السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية في غضون بضعة أشهر من الآن. وكأنها غير مطبقة.

أعلن نتنياهو ذلك في خطاب مسجل بث في مؤتمر نظمته منظمة التحالف الأوروبي من أجل إسرائيل، بمناسبة قرن على مؤتمر سان ريمو. خاطب نتنياهو المؤتمرين: "يشرفني أن أقول إن النضال المستمر منذ عقود قد أتى بثماره".

تُناقض مسيحية مؤتمري سان ريمو 2020، المبتهجين بنتنياهو والمشروع الصهيوني، مسيحية خوري، ونصّار، وجوهرية.


مسيحيو سان ريمون الجدد، مثلما فعل مسيحيو السان القدامى، يُدَفّعون المسلمين الجزية. مرضى الخلافة المسلمين لا يكفون عن الإعلان بأنهم سيدفّعون مسيحيي بلادنا الجزية، في بلادهم التي سيعيشون فيها كذميين، شبه مواطنين، يدفعون المال مقابل حمايتهم في قراهم ومدنهم ومنازلهم.

خاوة الضحية وآهاتها المدمية..!


(*) مدونة نشرها الكاتب الفلسطيني أسامة العيسة في صفحته الفايسبوكية.